الأصولية والنهضة
لطالما شكلت الأصولية رمز للجمود العقائدي والرجعية، فالأصولية ترى العصر الذهبي في الوراء وتحتقر الحاضر، وإذا تكلمت عن الحاضر فهي تقرأه بالماضي وتسقطه عليه، بالرغم من أن الماضي قد مر ولن يعد. لان الماضي أو التراث عاش وفق شروطه وظروفه التاريخية والاجتماعية التي كانت تأطره، أما الحاضر فله شروطه و ظروفه الخاصة به ،والواقع هو في تغير دائم لا يتوقف.
والأصوليات الدينية أو الإيديولوجية ترى بان الحاضر هو انحراف عن الأصل
فإذا نحن أردنا التكلم عن النهضة العربية أو اليقظة التي بدئت بعد غزو نابوليون لمصر، و بعدها طرح السؤال العريض لمادا تأخرنا وتقدم الأخر، أي الغرب، وما السبيل إلى التقدم. فقد اختلفت الإجابة عن هدا السؤال حسب الإطار الإيديولوجي الذي يأطر كل توجه فهناك من قال بوجوب العودة إلى الوراء وان التراث كل متكامل، (أصحاب النظرة الأصولية) وهناك من قال بأخذ التجربة الغربية بقضها وقضيضها، وهذا استنساخ ساذج، وهناك من توسط الأمر وقال بأن نأخذ الجيد من التراث والتجربة الغربية و ننتقي ما يبدو مناسب.
فكانت التجربة النهضوية مع محمد علي ومع السلفية الإصلاحية التنويرية تتسم بشيء من اللبرالية والعلمانية، تبعتها بعد ذالك التجربة الاشتراكية مع جمال عبد الناصر والبعث العربي، بعد كل هذا فشلت النهضة و تركوا الساحة للإسلام السياسي خاصتا بعد كامب دايفد أو معاهدة السلام المزعومة.
تبقى طبيعة المجتمع والتاريخ متحركة تأبى السكون وهنا تناقض مع الفكر الأصولي المتحجر الذي يرفض التقدم، فحينما نقول النهضة نقول إستئناف الطريق والمسير، بعد الجلوس أو التوقف فطبيعة النهضة هي الحركة وبعت روح جديدة وضخ دماء جديدة.
فادا كانت النهضة الأوروبية لم تأتي بفلسفة جديدة بل بعثت فلسفات قديمة الافلاطونية والافلوطينية المحدثة لما تتسم به من ليونة والاهتمام بالإنسان عكس الجمود الرياضي المنطقي الذي كرسته الاريسطية أو الفلسفة المشائية وسيطرت الكنيسة وهنا نتحدث عن دور الجمود كعائق لنهضة أو التحديث.
فالنهضة العربية لا يكفيها بعت فكر المرحلة الذهبية بل بأفكار جديدة تعبر عن روح المرحلة وطبيعتها التي نحتل فيها الحلقة الأضعف.
فلتحقيق النهضة لا أقول طمس التراث وبتالي الهوية العربية والإسلامية فعلى عكس من ذالك وجب استحضار التراث والأمجاد التاريخية للأمة، وهدا أسلوب رجعي بمنهج تقدمي، كما حدت ويحدث مع القوميات. يجب إصلاح ديني واجتهادات تجيب عن الإشكالات العملية وبتالي مواكبة العصر وليس الانعزال، فالانعزال هو الموقف الذي يتخذه المنهزم، وكذالك وجب خلق اقتصاد وطني وصناعة وطنية والتخلص من الريع، فالصناعة أم التحديث وتوزيع الثروات بشكل عادل بحيث لا يمكن النهوض بشعب غارق في الفقر وبتالي الجهل.
فاعتقد أن هده الخطوات هي الأساس لكل نهضة لا ندعو للفصل المطلق مع التراث، بل ندعو بعدم قولبت الواقع في قوالب جامدة وعدم الاعتماد على الجاهزية ولا الدوغمائية ،و التشجيع على إعمال العقل، خاصتا وان هده الأمة تتوجس من العقل بشكل يبعث على القلق.
إذا نادى تيودور هارتزل مؤسس الحركة الصهيونية باستحضار الأساطير العبرية فليست من اجل ذاتها، بل من اجل فعاليتها وتأثيرها في نفوس الجماهير، أما اغلب أقطاب الفكر الصهيوني كانوا ملاحدة، ومنهم هارتزل ،ومن هنا يتبين دور التراث في تجيش حماسة الجماهير وتعبئتهم.
المرحوم محمد عابد الجابري في كتاب التراث والحداثة يقول بان
لا يمكن استحضار التراث إلا بنفيه لان تاريخه ليس هو تاريخنا، و
لا يمكن نفيه إلا باستحضاره لأنه مكون من مكونات الحاضر،
فلا يجب تقديس التراث ولا يجب رميه عرض الحائط بالمطلق.
الباحث السعدي سعيد