-->

الخطاب العقلاني في الحضارة العربية الإسلامية بقلم الباحث السعدي سعيد

الخطاب العقلاني في الحضارة العربية الإسلامية بقلم الباحث السعدي سعيد
بواسطة:

الخطاب العقلاني في الحضارة العربية الإسلامية



بدئت ترجمة الكتب و مخطوطات الحضارات القديمة السابقة على الإسلام ،مثل اليونانية ،مع الخلفاء الأمويون وكانت تقتصر في الغالب عملية الترجمة على كتب الطب. وازداد ذالك واتسع مع العباسين خصوصا حينما أنشئ الخليفة العباسي المأمون بيت الحكمة، وهذا البيت هو عبارة عن صالون يختص بالفلسفة و العلم و الكلام بين كل الملل و النحل، وكان هذا أول عمل كبير يهتم بالأمور العلمية والعقلية وفضاء فكري رحب. 
بغض النظر عن الظروف السياسي التي حكمت توجه المأمون إلى العلم والمعرفة، فهي على الأرجح أسباب أيديولوجية لمواجهة الغنوص والعرفان الشيعي ، فقرب إليه المعتزلة والفلاسفة وكانت هذه هي الأرضية التي مهدت لبيت الحكمة. بيت الحكمة كمشروع تنويري يهدف إلى جمع وترجمت العلوم والنقاشات بكل أنواعها كما أسلفنا الذكر، و سنتوقف هنا على ابرز أوجه الخطاب العقلاني في التاريخ الإسلامي.
من أبرز ممثلين العقلانية في الإسلام هم الفرقة الكلامية المعتزلة والفلاسفة.
وحتى لا يقع خلط بين الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام(المعتزلة بالخصوص) فعلم الكلام له إطار ومبادئ ومسلمات ينطلق منها، أي البرهنة على صحة الدين بالعقل، أما الفلسفة فتنطلق من الصفر، بمعنى انها
لا يقيدها شيء، وتشك في كل المسلمات وتعيد النظر فيها، نبدأ أولا بالمعتزلة. 
المعتزلة
تعتبر فرقة المعتزلة أول فرقة كلامية عقلانية ترجح كفة العقل على النقل، أو بعبارة أخرى تعطي الأولوية للعقل باعتباره هو الأسبق والأول بينما الدين يأتي من بعد. وكان شعار المعتزلة هو العقل قبل ورود السمع، بل الأكثر من ذالك كانت هذه الفرقة عقلانية متطرفة وترى بأن العقل كافي لتحديد الأعمال هي خير أم شر. وسميت بهذا الاسم لان حسن البصري في حلقته اختلفا مع واصل ابن عطاء في مسالة مرتكب الكبير هل هو كافر أم مؤمن، و اعتزل واصل حلقة النقاش و أطلق على أتباعه اسم المعتزلة، وعرفوا بمبادئهم الخمسة ،العدل والتوحيد المنزلة بين المنزلتين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوعد والوعيد. 
والمقصود بالعدل والتوحيد هو سلب الصفات التي لا تليق بالله عز وجل، أو التجسيم ، مثل العلم أو الإرادة التي هي صفات بشرية، فصفة العلم أي علم المستقبل، فالله لا يعلم المستقبل عند المعتزلة ،لان العلم بالمستقبل يستلزم الجبر، و أن الإنسان، حر بمعنى مخير وليس مسير، فالله لا يمكن أن يجبرك على معصية ويحاسبك عليها فالله عدل، عدل مطلق . أو صفت الإرادة، فالله لا يريد ،لان الإرادة تعبر عن النقص و الله كامل كمال مطلق وهكذا، أما المنزلة بين المنزلتين وهي أن مرتكب الكبيرة ليس كافر ولا مأمن بل هو فاسق أي مسلم عاصي. والوعد والوعيد هي أن الله يجازي كل حسب عمله خيرا كان أو شر ولا يخلف ميعاده.
و كانت فرقة المعتزلة كفرقة عقلانية تقرع الحجة بالحجة لا بالسيف. ضدا في تطرف الخوارج من جهة وأيديولوجية الجبر الأموية من جهة أخرى، وارتفعوا بالعقل أكثر من الوحي بحيث أن الوحي هو مجرد لطف رباني بالبشر أما كل إنسان عاقل هو مكلف وسيحاسب عن عمله بغض النظر عن إن كان وصله الوحي أم لا، فالعقل وحده كافي لكي يوصل الإنسان إلى الله إلى الحق. هذه ابرز السمات التي كانت تعرف بها المعتزلة وهي بخلاصة اعتبار العقل وإعطائه الدور الأول وحرية الإنسان فهو مخير في أفعاله وسيحاسب عليها عكسا على الجبرية التي نفت أي إرادة للإنسان ،و الأشاعرة الذين كانوا يتوسطون بين الجبر والحرية.
الفلسفة الاسلامية
من ناحية المبدأ لم يكن اختلاف بين المعتزلة و اغلب الفلاسفة المسلمين، أما من ناحية المنهج فأكيد كانا اختلاف لان الفلاسفة اعتمدوا على المنهج ألبرهاني اليقيني المبني على المنطق، بينما اعتمد المتكلمين على الجدل.
أهم إشكالية واجهة الفلاسفة المسلمين في المشرق الإسلامي، هي الإطار الديني أو المناخ السائد الذي كان يتزعمه رجال الذين من فقهاء ومتكلمين. فكان يغلب على الفلسفة الإسلامية هاجس التوفيق بين الدين والفلسفة ويحاولون تجنب الاصطدام مع العقلية الفقهية.
و كان الكندي و الفرابي و ابن سينا ممثلين لهذه الفلسفة بالأساس ،أي الفلسفة الإسلامية في المشرق الإسلامي.
فقد رأى الكندي بأسبقية الدين على الحكمة ،أما الفرابي فقال بان الدين هو مثالات للفلسفة وتبنا نظرية الفيض الافلوطينية مع ابن سينا(والتي تقول بأن العالم فاض عن الواحد بالذات أي الله) وقالوا بقدم العالم ماعدا الكندي. فكانت الفلسفة الإسلامية المشرقية غير عقلانية صرفة كما هو الحال في الأندلس والمغرب كانت افلاطونية افلوطينية محدثة حتى تتناسب مع التوجه الشيعي بالخصوص عند ابن سينا المغرق في الغنوصية و العرفان.
أما الفلسفة الإسلامية المغربية فقد كانت تتأسس على تربة علمية خالصة بالخصوص مع ابن باجة وابن رشد، ووصلت قمة العقلانية مع ابن رشد بنقده الذي ما أحوجنا إليه اليوم في القرن 21م، ورأى بأن الشريعة هي الأخت الرضيعة للفلسفة فلا يوجد تناقض بينهما ولا يمكن الجمع بينهما، بل للكل مقدماته الخاصة لكنهما ينتهيان إلى نقطة واحدة هي الوصول إلى الحق والحقيقة التي هي الله سبحانه وتعالى .وكذالك اعتبار الحق كقيمة متعالية بغض النظر عن من أتى به حتى لو قال الكافر كلمة حق فلا مانع من الأخذ بها لان الحق و الحكمة هما ضالة المؤمن.
أما من بين أهل التنوير في القرن التاسع عشر نجد السلفية الإصلاحية التي كانت مع محمد عبدوا والأفغاني والكواكبي وغيرهم 
و أيضا هناك في القرن 20و21 فرج فودة والجابري وأركون وعدنان إبراهيم وغيرهم كلهم منارات تنويرية أضائت بنورها العقلاني مناطق واسعة يغطيها الظلام الأصولي و الدوغمائي الذي لا يعرف إلا لغة الرصاص والتكفير

الباحث السعدي سعيد
كافة الحقوق محفوظة 2017 - لفاك ماروك | تعريب سعيد زنـاني