الفكر والحضارة
كل الحضارات تقريبا كانت تهتم بالفكر والفن والعقل و العلم، أما المجتمعات التي لم تعرف حضارة أو التي كانت تعيش في الفقر والتخلف، كانت تهتم بالجانب الخرافي وتتوجس من الفلسفة والعقل وتتجه إلى الدروشة والانعزال.
فاليونان التي أنجبت لنا فلاسفة من العيار الثقيل، وحضارة مازالت إلى حد الآن تبهر العالم بطاقتها الفكرية والجمالية، جائت بهده (المعجزة) بعد حسمها المعركة الماديةن أو لنقل سد حاجياتها المادية .وانعكس ذالك على حياة الناس وبعد هدا الترف الذي حصل من التجارة التي كانت تمارسها اثينا من خلال اسطولها البحري الضخم، خولت لها هده الظروف الاقتصادية فرصة لتأمل والتفكير والإبداع وهدا ما حصل. وساهمت التجارة كذالك في الاحتكاك مع حضارات أخرى أقدم منها زمنيا، وربط السابق بالاحق مثل الحضارة المصرية.
وهذا أيضا حصل مع الحضارة العربية الإسلامية لما تدفقت أموال الغنائم على خزائن الدولة، إتجه الناس إلى العلم والفكر خاصتا مع العباسين، وكذالك كان الأمر مع فلاسفة الأندلس. وبالموازاة مع ذالك كانت أوروبا تعيش في ظلامها الدامس، لكن الحضارات دول (بمعنى التداول مرة لنا ومرة لكم) وحينما سيكتشفون طرق جديدة لتجارة ويتخلصون من الوساطة العربية عبر المحيط الأطلسي للوصول إلى الهند، ستنقلب موازين القوى وستنتقل الحضارة العربية من الكندي والفرابي وابن باجة وابن رشد، الى ابن تيمية والتصوف وتقديس الأضرحة، وأصبح يروج لشعار (من تمنطقة تزنطقة).
وفي يومنا هذا من يفكر ومن يبدع وينتج هو المتفوق، بحيث لا نجد في الصومال أوفي القرن الأفريقي فلاسفة، مما يوضح أن الفلسفة والعلم لغة المتحضر. فصراعنا نحن في دول العالم الثالث هو ضد لقمة العيش لا وقت لتأمل أو للإبداع ففي دول العالم الثالث الفقر والبطالة تنخر الشعوب وتكون تربة خصبة لنمو التطرف والإرهاب وهدا ما يحدث.
هناك عند بعض أصحاب العنصرية العرقية ثنائية السامية والآرية بحيث أن العقل الآري أو (الجنس المتفوق) الأوروبي، عقل إبداع أما العقل السامي عقل نقل وتقليد. فهذا غير صحيح، لأن مكونات العقل هي واحدة، وكل إنسان إذا توفرت له الشروط للإنتاج ينتج ويبدع. فمصر القديمة كانت معلمة اثينا ،وكل حضارة تأخذ وتعطي، فحتى اثينا التي يتغنى بها الغرب لم تأتي من عدم، بل استفادة من مصر القديمة والحضارات السابقة كما سلف الذكر. فيتاغورس كان مصري و طاليس زار مصر وكانت أسطورة مصرية تقول بان أصل الكون ماء فمن المحتمل أن يكون نقلها طاليس إلى اليونان الذي قال أصل الكون ماء، و أفلاطون زار مصر...
فهناك ارتباط بين الفكر والواقع/المجتمع ولا يمكن التغاضي عن ذالك بل وجب استحضاره لكي لا نجزء المشهد العام لان أي فكرة أو أي مشروع وجب أن تكون له قوة مادية لتصريفه.
السعدي سعيد