-->

التقسيم الجهوي من منظور التنمية المجالية

التقسيم الجهوي من منظور التنمية المجالية
بواسطة:

التقسيم الجهوي من منظور  التنمية المجالية


 
تقديم 

يشكل تحديد الجهات عنصرا ذا أهمية قصوى بالنسبة لإعداد التراب الوطني. فالجهات عندما ستبلغ مستوى كاف من النضج وتحقق وتيرة عمل مرضية، ستتحول عندئذ إلى أحد أهم الفاعلين في ميدان إعداد التراب. ولن تتمكن الجهات من أداء هذا الدور بالفعالية الضرورية، إلا إذا كانت مهيأة للقيام بهذه المهمة. وعلى مستوى آخر، من الضروري أن يكون هناك نوع من التماسك والتجانس ما بين السياسة الحضرية والسياسة الجهوية، حيث سيتم التنسيق ما بين نمو المدن ونمو البوادي كإحدى المهام الأساسية للجهات، ولن تستطيع هذه الأخيرة القيام بهذا الدور إذا لم تكن حدودها متلائمة مع مستلزمات هذه المهمة. 

إن رسم الحدود الجغرافية للجهات ليس مجرد عمل تقني من اختصاص الخبراء. كما أنه لا يجوز تبني اختيار الجماعات للجهة التي تود الانتماء إليها. فالتحديد المجالي للجهات يجب أن ينبثق عن منطق يعكس اختياراً سياسياً صريحاً. 

وهناك إجماع على أن الحصول على بنية جهوية ناجعة وفعالة، يتطلب إطاراً ملائماً لعمل هذه البنية. لكن السؤال يبقى مطروحاً حول طبيعة هذه الملائمة. 

عمليا، يمكن تحديد ملائمة الإطار الجهوي اعتماداً على صنفين من المعايير. الصنف الأول يتعلق بالواقع المجالي الصرف، أي طبيعة وشكل المجال الوطني، وتداعيات هذا الواقع بالنسبة للتدبير الترابي. أما الصنف الثاني، فيخص الاختيارات السياسية، أي خلفيات وأهداف سياسة الجهوية. 

إلا أن هذين الصنفين من المعايير لا يقعان في نفس المستوى، لذلك سيكون من الخطأ البحث على تركيبها بطريقة ميكانيكية. فالمعايير المجالية هي معطيات قابلة للتأويل، في حين تشكل المعايير السياسية مبادئ توجيهية. ومن البديهي أن الاختيار السياسي هو الحاسم في هذه القضية. فالهدف المركزي للجهة، هو أن تتحول إلى محاور فعال خلال المفاوضات المتعلقة بالتعاقد كإحدى أهم خيارات التنمية الجهوية. وفي هذا الأفق، سيكون من الضروري أن تشارك جميع أصناف المجالات في هذه المفاوضات، وخصوصاً منها المجالات الأكثر فقراً. وهكذا ستتمكن الجهات الصحراوية أو الواحية من فرض التعامل معها ككيانات قائمة الذات، وليس فقط كمناطق تابعة أوثانوية. 

سنتطرق في هذه الورقة إلى التحديد الجهوي من منظور التنمية المجالية، دون الأخذ بعين الإعتبار المعايير الأخرى، و التي تبقى من اختصاصات فاعلين آخرين. 
1- مرجعيات التقطيع الترابي وفق منظور التنمية المجالية 

تماشيا مع الرؤية المولوية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاب 06 نونبر 2008 الذي أكد على ¨ أن نجاح الجهوية رهين باعتماد تقسيم ناجع يتوخى قيام مناطق متكاملة اقتصاديا وجغرافيا ومنسجمة اجتماعيا وثقافيا¨ قامت وزارة الإسكان و التعمير و التنمية المجالية على مستوى كتابة الدولة للتنمية المجالية بإعداد هذا التقرير حول الجهوية الذي يلخص ثلاثة مقترحات لتقسيم ترابي جهوي يستجيب وحاجيات التنمية المجالية، تستمد منهجيتها من الخطابات الملكية السامية، خصوصا في المحطات الأربع الكبرى التي تؤطر للجهوية الموسعة المنشودة : المحطة الأولى هي خطاب 6 نونبر 2008 الذي أشار فيه إلى أن مقترح الحكم الذاتي في الصحراء سيدفع نحو " نهج الاصلاحات المتواصلة الشاملة عبر إطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة تشمل كل مناطق المملكة" . هذا إضافة إلى الخطاب الثاني ل 06 نونبر 2009 الذي أكد فيه على ضرورة أن تكون الأقاليم الصحراوية في صدارة الجهوية المتقدمة المنشودة بما يعزز تدبيرها الذاتي لشؤونها المحلية. أما المحطة الثالثة، فيبرزها خطاب 04 يناير 2009 الذي بموجبه تم تنصيب لجنة استشارية للجهوية تؤسس لجهوية متقدمة ذات جوهر ديمقراطي وتوجه تنموي. وترتكز هذه الجهوية المنشودة على وحدة الدولة والوطن والتراب، والالتزام بالتضامن الفعلي، من خلال إيجاد آليات ناجعة تعكس التكامل والتلاحم بين المناطق، واعتماد التناسق والتوازن في توزيع الصلاحيات والإمكانات بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات، على انتهاج اللاتمركز الواسع، في نطاق حكامة ترابية ناجعة، قائمة على التناسق والتفاعل. 

ولعل المحطة الرابعة تتجلى في الخطاب الملكي ل 20 غشت 2010، حيث تم التأكيد على التزام المغرب بمشروع الجهوية الموسعة كأسلوب جديد لممارسة الحكم في جهات المملكة، ومدخل أساس لتقوية صرح الديموقراطية والحريات. 

ومن هذه المنطلقات، يمكن تحديد عدة شروط يجب توفرها في الجهات المقترحة و التي يمكن اختزالها كما يلي: 

- الإنصاف الاجتماعي : أي أن توفر كل جهة لساكنتها شروط العيش الكريم. وهذا يحيل إلى مسألة التجهيزات العمومية (الصحة- التربية - المواصلات) والتجهيزات الضرورية للحياة اليومية (السكن، الماء الشروب، الكهرباء)؛ 

- النجاعة الاقتصادية: أي المساهمة في التنمية الاقتصادية للبلاد، وأن توفر كل جهة نصيبها من القيمة المضافة، وأن تخلق مناصب شغل لفائدة ساكنتها النشيطة؛ 

- الاستدامة : أي أن تحقق الجهات تنميتها بكيفية مستدامة، من خلال المحافظة على الموارد والأوساط الطبيعية، والحرص على ضمان مختلف التوازنات الداخلية على المدى البعيد. 
2- محددات التقطيع الترابي وفق منظور التنمية المجالية 

الوظيفية : أي أن يستطيع كل مجال من أداء دور وظيفي لساكنته من جميع النواحي الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ؛ 

مجالات النمو: يعود بنا مفهوم "مجالات النمو" بشكل ضمني إلى تصور معين لإعداد التراب، يعتبر بأن المهمة الأولى لإعداد التراب هي دعم التنمية، لذلك فعلى الإعداد أن يهتم، أولا وقبل كل شيء، بالمجالات التي ستكون ميداناً لهذه التنمية. وهذا التصور مشروع ومنسجم بالخصوص مع أفق الانفتاح الاقتصادي. ففي ظل اقتصاد منفتح – خصوصا في وضعية التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي –، فإن النمو سيَكون مدعوا للتمركز في بعض المجالات الأكثر تنافسية، أي تلك التي تتوفر على مرافق وتجهيزات الارتباط مع العالم، وعلى امتيازات و مؤهلات لمواجهة المنافسة الدولية. وستلعب هذه المجالات المحظوظة، دوراً أساسياً في تنمية البلاد بأكملها، لذلك فهي تستحق أن نمنحها اهتماماً متميزاً. 

ومع ذلك نؤكد بأن إعداد التراب ليس مجرد مصاحبة مجالية لقواعد الاقتصاد الحر، بالرغم من الوزن الحاسم لهذه القواعد، بل إن الوحدة الوطنية تشكل الهدف الأسمى لإعداد التراب. 

وتكتسي مسألة مجالات النمو بعداً مزدوجاً: 

- البعد الأول يتعلق بالتساؤل حول كيفية تعزيز مناطق النمو وتحسين تسييرها. 

- البعد الثاني يتعلق بالتساؤل حول كيفية إدماج هذه المجالات في محيطها الجهوي، وضمان مفعول نشر التنمية انطلاقا من الأقطاب. 

و عليه، يجب الأخذ بعين الاعتبار هذين البعدين للإشكالية في نفس الآن، وبشكل متوازن، إذ من الضروري أن نقوم في نفس الوقت بدعم التنمية في بعض الأماكن الاستراتيجية التي ستكون أرضية لرفع التحديات، وضمان انخراطها الجهوي في مجموع التراب الوطني. وهذه منهجية أخرى تتوخى التوفيق بين "الإنصاف والنجاعة". 
3- التقسيم الجهوي : مفاهيم ومصطلحات 

من ضمن هذه المصطلحات التي ينطوي عليها التقسيم الجهوي، نجد مفهومي التجانس و التكامل. 

التكامل: يحيل إلى منطق الشراكة بين مناطق مختلفة بأنشطتها، و بمستوى نموها و تجهيزها لكي تشكل مجموعة جهوية موحدة. 

التجانس : هو تعبير على الخصوصيات، أي العناصر التي تميز مجالا معينا، إما سلبا أو إيجابا. 

ويرتكز هذين المفهومين على منطقين مختلفين. وغالباً ما يتم تفضيل التكامل، لأنه يحيل إلى منطق الشراكة بين مناطق مختلفة بأنشطتها، وبمستوى نموها وتجهيزها، لكي تشكل مجموعة جهوية موحدة. ويرتكز هذا التفضيل على مبررات ومفاهيم كالتآزر والتضامن. وفي المقابل يُهمّشُ مفهوم التجانس، لأنه تعبير عن منطق التميز. فتحديد المجالات هنا، يعتمد على الخصوصيات، أي على العناصر التي تميز مجالا ما عن المجالات الأخرى، وهو الأمر الذي يؤدي في بعض الحالات إلى إفراز "جهات" يصعب قبولها، عندما تكون الخصوصيات المميزة سلبية، حيث يتراكم الفقر وضعف التجهيز. 

ليس من المفروض علينا أن نختار أحد هذين المنطقين أو الخيارين، فكلاهما ملائم ووجيه، حسب شكل الكيان الترابي والمقياس الذي نطرح في إطاره مشكلة الجهوية. 

فإذا كنا أمام جيب للفقر لا يبعد سوى بخمسين كلم عن منطقة نمو، فمن اللازم آنذاك إشراك وربط هذين المجالين لتفعيل آليات التكامل. أما إذا كنا أمام مجال مهمش وشاسع يبعد بـ 300 كلم عن منطقة نمو، فسيكون من غير المجدي ربطهما ومحاولة إدماجها، كما هو عليه الأمر حالياً بين تافيلالت ومكناس. 

انطلاقا من هذا المبدأ المرتكز على المقياس، يمكن أن نحدد قاعدة بسيطة: 

* عندما تقل المسافات عن 100 كلم، يمكن للقرب أن يلعب دوراً في تفعيل آليات التكامل ومنطق الشراكة. 

* عندما تتجاوز المسافات 200 كلم، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمجالات شبه صحراوية وحواجز جبلية، فإن منطق التكامل يصبح لاغياً وبدون جدوى، وفي المقابل يفرض منطق التميز نفسه. 

ويجب أن نسجل في هذا السياق التكامل والترابط بين العنصرين سالفي الذكر، حيث تراكم المجالات المهمشة كل المعوقات المرتبطة بالبعد، وبالقحولة، وبالتضاريس، وضعف التجهيز، وذلك على مساحات شاسعة ومتجانسة وفق معايير سلبية. فإذا تعاملنا مع هذه المجالات على أساس منطق الشراكة، كما هو عليه الأمر حالياُ، فإننا سنقصيها مسبقاً من التفاوض حول المخططات التعاقدية بين الدولة والجهات، الذي سيشكل اللحظة الحاسمة في تنمية مجموع البلاد. هذا الإقصاء سيكون أمراً لا مفر منه في الجهات المختلطة، أي تلك التي تجمع مجالات غنية وآهلة بساكنة مهمة، ومجالات فقيرة وقليلـة السكان، لأن تمثيل هذه الجهـات سيكون بالضـرورة بواسطة المجالات الغنية. 

لذلك، يجب التعامل مع المجال و تدبيره انطلاقاً من الاكراهات والمشاكل الموضوعية التي يجب مواجهتها. فمعايير التكامل والتآزر صالحة فقط في المغرب الكثيف التعمير والسكان (وهذا الاعتبار يفرض إعادة النظر في جهة الدار البيضاء). بينما يفرض معيار التجانس نفسه، في المغرب القاحل، الذي يمتاز بتناثر المستوطنات البشرية (هذا المقياس يفرض إعادة النظر على الأقل في جهتين من الجهات الضخمة الحجم، ونقصد بذلك جهة سوس – ماسة – درعة، وجهة مكناس – تافيلالت، أما حالة الجهة الشرقية فهي حالة مختلفة بسبب الموقع الخاص لفيكيك). 

انطلاقا من هذه الاعتبارات المبدئية، يمكننا الآن أن نعالج بشكل ملموس مسألة "التجميع الجهوي". 
4- معايير التقطيع الترابي وفق منظور التنمية المجالية 

3-1 المعيار الطبيعي: يتعلق الأمر بالأخذ بعين الاعتبار المكونات و الخصوصيات الطبيعية للمجال: فالمغرب يتشكل من مجال شاسع مفتوح على المحيط الأطلنطي، وتنتظم سلاسل جبال الريف والأطلس المتوسط والأطلس الكبير الغربي على شكل مدرج موجه نحو الغرب، يحيط بمناطق سهول وهضاب عليا. وتمكن بعض الممرات من الانفتاح على خلفية هذا المجال، وعلى الخارج. ويتعلق الأمر بممر تازة الذي يربطنا بالمغرب العربي والعالم العربي، وبالفجاج العالية التي تربطنا بالصحراء وإفريقيا، وأخيراً بالساحل المتوسطي الذي يضمن الارتباط بأوربا عبر البحر. وتتجمع الأغلبية الساحقة من السكان داخل هذا المدرج، وبالضبط ثلاثة أرباع سكان المغرب، ويتوزع الربع الأخير على خمسة مجموعات ثانوية: 

* السفوح المتوسطة لجبال الريف (من تطوان إلى الناضور). 

* الشمال الشرقي (بركان – وجدة – تاوريرت – جرادة). 

*الهوامش الجنوبية شبه الصحراوية (المحادية للصحراء من فيكيك إلى طاطا) 

* سوس وامتداداته (كلميم – تيزنيت). 

* الصحراء (جنوب كلميم). 

وتتميز هذه المجالات الخمسة الواقعة فيما وراء الجبال، بتنوعها واختلافها الشديدين، فهي تتشكل من ثلاثة مناطق تمتاز بكثافة سكانية مرتفعة جداً (الريف، سوس والشمال الشرقي) ومن مجال شاسع محادي للصحراء، وأخيرا من الصحراء الصرفة. 

وإذا أخدنا بعين الاعتبار الأحواض المائية الكبرى، يمكن كذلك تقسيم البلاد إلى تسعة مناطق. و هو التقسيم الذي اعتمدت عليه فعليا وكالات الأحواض المائية. 

3-2 معيار المبادلات والاستقطاب الحضري: 

تشمل الأجزاء الكثيفة السكان في المغرب كلا من المجال الوسطي وامتداداته في الشمال والشمال – الشرقي، وسوس وامتداداته الجنوبية، وهو ما يمثل أكثر من 93% من السكان موزعة فوق 31% من المساحة. هذا المجال المتميز بكثافة سكانية كبيرة وتعمير جيد، منظم بواسطة المدن والمبادلات. وتشكل خريطة الرواج الطرقي مؤشراً جيداً لسير هذه المنظومة، كما أنها تقدم بكل بساطة رؤية تركيبية للبلاد. 

ويبرز الرواج الطرقي وجود سبعة ملتقيات طرقية مركزية، يمكن ترتيبها حسب أهميتها الترابية كما يلي: الدار البيضاء، فاس، الرباط، أكادير، مراكش، بني ملال، وجدة 

وإذا كانت هذه النقط توافق مراكز الجهات، فإن الواقع الجهوي أكثر تعقيداً، لأنه يضم منظومات علاقات تختلف عن النظام البسيط الذي يتخذ شكل نجمة مركزها العاصمة الجهوية. 

وإجمالاً، يمكن أن نميز بين تسعة منظومات تتخذ إما شكل شبكة أو شكل نجمة: 

- في الشمال الشرقي حيث ينتج استمرار الرواج الطرقي عن اندماج منظومتين، الأولى متمركزة حول وجدة، والثانية حول الناضور. 

- في الشمال، ترتبط كل من طنجة وتطوان بالعرائش وشفشاون. 

- في الغرب حيث يرتكز الرواج الطرقي على مثلث القنيطرة – سوق الأربعاء – سيدي قاسم. 

- فاس، التي تقع في وسط منظومة جد هامة تغطي مقدمة جبال الريف في اتجاه كتامة، وتازة – أكنول وكرسيف – صاكا. وفي اتجاه الجنوب في إطار مثلث يتشكل من فاس – أزرو – مكناس. 

- الرباط التي لا تتوفر على منظومة جهوية خاصة بها، ولكنها ترتبط مباشرة بمنظومة الغرب. 

- الدار البيضاء التي تؤطر منظومة تتوفر على أربع فروع: الربط القطبي بين الدار البيضاء والرباط، ثم محور ساحلي في اتجاه الجديدة وآسفي، ومحورين داخليين في العمق القاري، الأول في اتجاه خريبكة (وبعدها بني ملال)، والثاني في اتجاه سطات والبروج (وبعدها مراكش). 

- بني ملال، التي تحتل موقعاً جد هام في قلب منظومة تشمل، في نفس الوقت، حوض الفوسفاط، والمدارات المسقية لتادلة، كما أنها تدمج المحور الداخلي الكبير الرابط بين مراكش – خنيفرة – فاس. 

- أكادير التي تتوفر على منظومة على شكل نجمة ذات ثلاثة فروع: الأول يتجه نحو تيزنيت، الثاني نحو تارودانت، والثالث نحو شيشاوة (وفي مستوى أقل في اتجاه الصويرة). 










وفي المجمل، يمكن تلخيص الوضعية كما يلي: 

1 – الشمال: طنجة – تطوان – العرائش – شفشاون. 

2 – الساحل المتوسطي: الناضور – الحسيمة. 

3 – الشمال الشرقي: تاوريرت – وجدة – بركان. 

4 – مجموعة فاس – مكناس: سايس – أزرو – تاونات – تازة – كرسيف. 

5 – مجموعة الرباط – الغرب: الرباط – القنيطرة – سيدي قاسم. 

6 – منظومة الدار البيضاء: الجديدة – سطات – بن سليمان. 

7 – الوسط: بني ملال – خريبكة – خنيفرة. 

8 – نجمة مراكش: بن جرير – قلعة السراغنة. 

9 – نجمة أكادير: تارودانت - تيزنيت – تافراوت. 

وهكذا تظهر العلاقات الطرقية وجود تسعة منظومات في الأجزاء كثيفة السكان من المملكة. ولا يمكن أن نطبق نفس هذه المقاربة على بقية التراب الوطني، حيث لا ترقى العلاقات الطرقية إلى مستوى يؤهلها أن تكون مؤشراً ذا دلالة . 

3-3 معيار الكثافة السكانية: 

يمكن أن نميز بين ثلاثة نطاقات كبرى لتوزيع السكان: الصحراء، هوامش الصحراء، والمناطق الكثيفة السكان. 

وتعتبر حالة الصحراء، بطبيعة الحال، وضعية متميزة بكل المقاييس. أما الصنفين المتبقيين من مجالات المملكة فهي كالتالي: 

- المجال الواقع ما بين السلاسل الجبلية والمحيط، وامتداده المتوسطي، وهو يغطي 25% من مساحة البلاد، ويضم 85% من ساكنتها (وتقارب الكثافة السكانية حالياً 130 نسمة في الكلم2). 

- المجال الواقع وراء الجبال، في الهوامش الصحراوية، ويغطي 28% من التراب الوطني، ويضم 6% من سكان المملكة (الكثافة السكانية تصل إلى 8،5 ساكن في الكلم2). 

وإذا كان هذين الصنفين من المجالات يتوفران على مساحة متقاربة، فإنهما يختلفان بشكل صارخ في كثافتهما السكانية، حيث إن الفارق بينهما هو من 1 إلى 15. 
3-4 معيار حركات الهجرة : 

كما يعلم الجميع، تشكل تنقلات السكان مؤشراً مجالياً مهماً، فهي تمكن من رسم حدود أحواض الهجرة حول الأقطاب. والتي توافق في الغالب حدود الجهات – أو على الأقل تشكل معياراً أساسياً للجهوية. فتيارات الهجرة تساهم بشكل مباشر في تنظيم المجال. 

وسنعتمد على حركات الهجرة من خلال تحليل الحالة المدنية. فهذا المصدر يعطينا بالنسبة لكل ولادة مكان إقامة ومكان ازدياد الوالدين (الأب والأم). الأمر يتعلق إذن، بتحري يخص فئة أعمار مهمة وذات دلالة، وهي الأمهات والآباء الشباب، أي السكان البالغين سن العمل، وهي الفئة التي تعبر، أكثر من غيرها، عن النزوعات الراهنة للسلوك السوسيو-جغرافي للسكان. وتتميز المنظومة الشمولية للهجرة ببساطتها، حيث إن أغلبية الأقاليم تسجل انطلاق حركات هجرة نحو المراكز المستقطبة والجذابة، التي يمكن حصرها وترتيبها بسهولة: 

* الدار البيضاء الكبرى: تخرج هذه المدينة العملاقة عن هذا التصنيف والترتيب بحكم الأعداد الكبيرة للوافدين عليها: ويهم استقطابها مجموع التراب الوطني، لكنه يصبح أكثر قوة في الجزء الجنوبي من البلاد، وبالخصوص في جنوب هذه الحاضرة القطبية. وتشمل المنطقة المرتبطة مباشرة بمدينة الدار البيضاء، أقاليم بن سليمان، سطات والجديدة. وتشكل حالة آسفي وضعية مختلفة شيئاً ما، بحكم مزاحمة نفوذ مراكش، وأكادير لنفوذ العاصمة الاقتصادية. 
* محور الرباط وجدة عبر مكناس وفاس، أي أربعة مدن قطبية: 
وجدة: تستقطب النازحين من جرادة وبركان، وفي مستوى أقل من فيكيك (تخضع هذه الأخيرة لجاذبية مزدوجة من وجدة والراشيدية) وأيضاً من تاوريرت. 
فاس: يشمل مجال استقطابها كلاً من صفرو، وتازة وخصوصاً تاونات، التي تربطها علاقات قوية بالحاضرة الفاسية، إلى درجة أصبح معها انتماء هذين الإقليمين لنفس الجهة من الضروريات البديهية (يجب أن نشير أيضا إلى أهمية العلاقات مع الراشيدية). 
مكناس: تتميز حالة مكناس بغياب علاقات متميزة مع مجال معين، فالمدينة ترتبط بعلاقات قوية نسبياً مع مجال واسع يشمل تازة ، تاونات، سيدي قاسم، الخميسات، والحاجب (وبعدها الراشيدية). وبعبارة أخرى، فإن مدينة مكناس تتقاسم مناطق استقطابها مع فاس والرباط. ويشكل الحاجب، الإقليم الوحيد الذي يرتبط بشكل مباشر ومطلق مع مدينة مكناس. 

ونسجل هنا، في نفس الوقت، التواضع النسبي للعلاقة بين فاس ومكناس، وتداخل مناطق استقطابها، وهو الأمر الذي يعكس غموض العلاقات بين هاتين المدينتين الجارتين والمتنافستين. 

الرباط : وهي حالة خاصة، بسبب تعقيد وضعيتها، حيث إنها تمتاز بمجال استقطاب واسع يغطي مجموع التراب الوطني، ولكن منطقة نفوذها تتوقف في مستوى مدينة الخميسات، هذا مع وجود علاقات قوية مع القنيطرة وسيدي قاسم، وهو الأمر الذي يطرح مشكلة الغرب، فالقنيطرة وسيدي قاسم تتوافران على علاقات فيما بينهما من جهة، وبينهما وبين العاصمة الرباط من جهة ثانية. 

- وفي جنوب العاصمة الاقتصادية، وداخل المنظومة الكبيرة للهجرة البيضاوية، يمكن أن نميز قطبين اثنين هما: بني ملال ومراكش. 

بني ملال: تشكل مركز التقاء بالنسبة لتيارات الهجرة القادمة من جارتيها المباشرتين، أي أزيلال وخريبكة. 

مراكش: ترتبط بشكل قوي مع أقاليم الحوز وقلعة السراغنة، ولكن بقدر ما أن العلاقة مع الحوز علاقة مطلقة وحصرية، بقدر ما أن العلاقة مع القلعة مقتسمة مع الدار البيضاء. كما يمكن أن نسجل الأهمية النسبية للعلاقة مع شيشاوة. وفي المقابل، نسجل أيضا ضعف العلاقات مع الأقاليم الكبيرة الواقعة بعد جبال الأطلس، كما أن العلاقة هامشية مع الصويرة. 

- وتقع مدينتان ديناميكيتان في أقصى شمال وأقصى جنوب المنظومة الكثيفة السكان، وهما مدينتي طنجة وأكادير اللتان تحققان استقطابا قويا لمجاليهما. 

أكادير: ترتبط بطريقة مباشرة مع ثلاث مدن مجاورة هي: الصويرة وتارودانت وتيزنيت، التي تشكل معها جهة بديهية. 

طنجة: ترتبط بتطوان وشفشاون والعرائش، وتشكل هذه المجموعة جهة واضحة التماسك، ولا غبار عليها. ونسجل أيضاً بأن العلاقة مع الحسيمة، الواقعة أكثر شرقاً، تتميز بقوة نسبية. 

إن هذا التوزيع الجغرافي لحركات الهجرة يهم فقط المجالات كثيفة السكان في المغرب، لأن الهوامش شبه الصحراوية (المحاذية للصحراء) تخضع لمنطق آخر. وتتطابق هذه المجالات كثيفة السكان بطريقة شبه كاملة مع أحواض هجرة حصرية، أي أن كل حوض يخضع بشكل شبه مطلق لنفوذ قطب واحد. الاستثناءات الوحيدة تتمثل في إقاليم قلعة السراغنة، سيدي بنور، اليوسفية وآسفي من جهة، وإقاليم الناضور، دريوش والحسيمة من جهة ثانية. فقلعة السراغنة وآسفي تنتميان إلى منطقة انتقالية، تقع ما بين الحاضرة القطبية الدار البيضاء ومدن الجنوب: بني ملال، مراكش وأكادير. وتختلف الوضعية شيئاً ما في منطقة الريف، حيث تخضع الحسيمة إلى جاذبية قوية تمارسها عليها مدينتي طنجة وتطوان، وتخضع أيضاً إلى استقطاب مهم من طرف فاس والناضور. 

وفي ميدان التنظيم الجهوي، تطرح مدينة الناضور مشكلة حقيقية، فإلى حدود تاريخ قريب، كانت الناضور تعتبر من مدن الدرجة الثالثة. لكن النمو الهام والحديث لهذه المدينة، ومؤهلاتها الكبيرة تمثل عناصر إيجابية يجب اعتبارها في إشكالية التنظيم الجهوي، حيث سيكون من المفيد ترقية مدينة الناضور إلى مرتبة عاصمة جهوية، الأمر الذي يفترض شراكة وتكاملا مع الحسيمة. 



3-5 معيار المعطيات المجتمعية: 

يبرز العلاقات بين مختلف المجالات في الميدان المجتمعي و الإثني- القبلي من خلال عقود الزواج المبرمة بين نساء ورجال ينتمون إلى أقاليم مختلفة، وذلك لإبراز الترابطات الأكثر وضوحاً بين هذه الوحدات الترابية. 
وفي المجمل، تتشابه النتائج التي حصلنا عليها مع نتائج موضوع حركات الهجرة، مع وجود بعض الاختلافات الطفيفة وبعض التدقيقات المهمة. لذلك لن نخوض في عرض مجموع نتائج هذا التحليل، وسنقتصر على هذه التدقيقات. 
وتتمثل المقاربة الأولى والبسيطة في اعتبار أعداد عقود الزواج المبرمة بين نساء ورجال ينتمون إلى أقاليم مختلفة، وذلك لإبراز الترابطات الأكثر وضوحاً بين هذه الأقاليم. 

ويمكن أن نحصر الترابطات بين الأقاليم في أحد عشرة ترابطا وهي: 

- ست ثنائيات إقليمية: 

* القنيطرة – سيدي قاسم. 

* مكناس – الحاجب. 

* الرباط سلا – الخميسات. 

* بني ملال – أزيلال. 

* مراكش – الحوز. 

* خنيفرة – الراشيدية. 

- خمس مجموعات جهوية: 

* طنجة – تطوان – شفشاون. 

* وجدة – بركان – تاوريرت – جرادة. 

* فاس – صفرو – تاونات – تازة. 

* الدار البيضاء الكبرى – بن سليمان – سطات – الجديدة – آسفي. 

* أكادير – تارودانت- تيزنيت. 

وتبرز هذه الترابطات الأهمية الجهوية لخمسة مدن هي: الدار البيضاء، فاس، أكادير، طنجة ووجدة. 

ونسجل هنا بأن أغلبية السكان معنية بهذه الثنائيات أو التجمعات الإقليمية. وتتمثل الاستثناءات الخارجة عن هذه الكيانات في الهوامش الصحراوية، وبالخصوص في الأقاليم الخاضعة لنفوذ عدة أقطاب، وهي كالتالي: 

* العرائش بين طنجة والقنيطرة. 

* الحسيمة بين شفشاون، الناضور وتاونات. 

* الصخيرات بين الدار البيضاء والرباط. 

* خريبكة بين الدار البيضاء، السطات وبني ملال. 

* قلعة السراغنة بين الدار البيضاء، السطات، بني ملال ومراكش. 

* الشاوية بين آسفي ومراكش. 

* الصويرة بين الدار البيضاء، آسفي وأكادير. 

على الصعيد الوطني يمكن أن نميز في ميدان جغرافية الزواج ما بين مجموعتين مجالتين كبيرتين، بالإضافة إلى الهوامش الصحراوية والصحراء الصرفة بطبيعة الحال. 

أ – المجموعة المجالية الشمالية: وتتشكل من ست "جهات للزواج" متفردة بشكل جيد: 

* طنجة – تطوان – العرائش – شفشاون. 

* القنيطرة – سيدي قاسم (وهي مرتبطة أيضاً مع الرباط). 

* الرباط – الخميسات. 

* فاس – مكناس، بالإضافة إلى الحاجب، صفرو، تازة، وتاونات. 

* الناضور – الحسيمة. 

* وجدة – بركان – تاوريرت – جرادة. 

ب – المجموعة المجالية الجنوبية: وهي مختلفة كثيراً عن سابقتها، لأن هناك تداخل ما بين النفوذ المعمم للدار البيضاء، ونفوذ مختلف المراكز الأخرى التي تتميز، في نفس الوقت، باستقلاليتها وارتباطها القوي بالحاضرة القطبية. ويهم هذا الأمر على الخصوص مدينتي بني ملال ومراكش. وهكذا ترتبط مدينة خريبكة بالدرجة الأولى ببني ملال، وفي الدرجة الثانية بالدار البيضاء. كما أن منطقة آسفي وقلعة السراغنة تخضع لنفوذ مزدوج تمارسه مراكش والدار البيضاء. وتشكل حالة إقليم قلعة السراغنة وضعية متميزة، بحكم ارتباطاتها مع كل الأقاليم المجاورة، فهي قاعدة أو مركز لإعادة التوزيع. كما يجب أن نسجل الحالة الخاصة لسطات، التي تعتبر ملحقة ديمغرافية حقيقية للدار البيضاء، حيث تشكل علاقاتها مع هذه الحاضرة القطبية أكثر العلاقات كثافة مع العاصمة الاقتصادية على الصعيد الوطني. 

وتمتاز وضعية أكادير باختلافها الواضح، حيث إنها تتوفر على منطقة للزواج محددة بشكل دقيق، تشمل تيزنيت، تارودانت والصويرة. ويبرز هذا الوضع البعد المزدوج لأكادير: البعد السوسي والبعد الأطلنطي، وهو ما يكذب تصوراً شائعاً يربط أكادير فقط بسوس، ويغفل بعدها الثاني الأطلنطي، الذي لا يقل أهمية عن بعدها السوسي. 

وبالنسبة للهوامش المحادية للصحراء، نسجل الدور الهام نسبياً للراشيدية، التي ترتبط من جهة، بخنيفرة، ومن جهة ثانية، بفيكيك وورزازات. وفي الواقع لا يعبر هذين النوعين من الروابط عن نفس الدلالات. فالروابط مع خنيفرة تنتج بالأساس عن علاقات القرب، على جانبي الحدود بين الإقليمين التي تفصل ساكنة جد متقاربة ومترابطة. في حين تعكس الروابط مع فيكيك وورزازات هيكلة جهوية حقيقية تندرج في عمق انشغالاتنا حول إعداد التراب. 
5- أي تقطيع نريد؟ 

على ضوء هذه القواعد، يمكننا الآن أن نقوم بمقارنة التحليل الذي يهم المعايير الخمسة المشار إليها أعلاه، مع التحليل الذي شمل مستوى أكثر دقة، أي مقياس مجالات النمو. ولتحقيق ذلك، يكفي أن نقارن "المعايير الاقتصادية والمعايير البشرية" من جهة، و "أصناف المجالات" من جهة ثانية، وسنلاحظ بأن التمفصل بينها يتحقق بدون أية صعوبة. 

وهكذا تشمل المنطقة كثيفة السكان تسعة مجالات للنمو، بالإضافة إلى هوامشها والمجالات المقتسمة. وهكذا نحصل على تسع جهات توافق مجالات النمو، مع استثناء وحيد يتمثل في المنطقة الجنوبية (كلميم، آسا – الزاك وطان طان) التي لا يمكن التعامل معها بنفس الأسلوب المعتمد مع باقي الجهات، باعتبار أن كلميم قوية الارتباط بأكادير، في حين تنتمي طان طان وآسا – الزاك بوضوح إلى المجال الصحراوي. 
التشكيل الإقليمي للمجالات المستقطبة 

1- مجال الدار البيضاء – آسفي: ويتكون من الدار البيضاء الكبرى ومن أقاليم بن سليمان، برشيد، سطات، الجديدة، سيدي بنور، و آسفي. وتمثل أقاليم سيدي بنور، اليوسفية و آسفي الحالات الوحيدة" المثيرة للنزاع"، لأنها يرتبط أيضاً بمراكش. ويوجد سببان لربط إقليمي سيدي بنور و آسفي بالمنظومة البيضاوية. فمن جهة، تميل مدينة آسفي في توجهها الأساسي نحو الدار البيضاء وليس نحو مراكش، ومن جهة ثانية، يشكل اندماج آسفي مع الدار البيضاء أفضل حل لمواجهة المشاكل التي تعاني منها هذه المدينة. فآسفي تحاول الآن تحقيق تحويل أنشطتها الاقتصادية المتراجعة، ومن شأن الاندماج مع البيضاء أن يسهل هذا التحويل، في حين أن مراكش غير قادرة على إعطاء حلول بديلة لآسفي. أما إقليم اليوسفية، فبحكم حدوده الإدارية المحادية لمراكش المرتبط بها أساسا، فمن الأجدى ربطه بهذه الجهة. 

2- مجال الرباط – القنيطرة: وتضم أقاليم وعمالات الصخيرات – تمارة، والرباط، وسلا، والخميسات، والقنيطرة، وسيدي قاسم و سيدي سليمان. وتدل كل المؤشرات إلى أن الغرب ينتمي إلى المناطق الخلفية للرباط، بالرغم من توفره على هوية خاصة ترتكز على التمحور حول القنيطرة. لذلك اخترنا تسمية الجهة بالرباط – القنيطرة، للتعبير عن الدور المتميز للقنيطرة في هذه المنظومة الجهوية. 

3- مجال طنجة – تطوان: وتشمل أقاليم وعمالات شفشاون، وزان، و الفحص أنجرة، والعرائش، وطنجة-أصيلة، المضيق-الفنيدق وتطوان. 

4- مجال الناضور – الحسيمة: تتكون من أقاليم الناضور، دريوش و الحسيمة: تخضع مدينة الحسيمة لنفوذ عدة جهات وأقطاب، لكن يبدو أن استقطاب الناضور سيكون حاسماً ومهيمناً. ويتوقف وجود هذه الجهة على قرار واختيار سياسيين. 
5- مجال وجدة – فيكيك: وتتكون من أقاليم وجدة-انكاد، بركان، تاوريرت، جرادة وفيكيك. ويطرح انتماء إقليم فيكيك إلى هذه الجهة بعض المشاكل، لكن كل المؤشرات تبرز بأن علاقات هذا الإقليم في جميع الميادين موجهة نحو وجدة. صحيح أن إقليم فيكيك ينتمي إلى الجزء القاحل من المملكة، ولكن ارتباطه متميز وقوي مع وجدة، مما يجعل الإقليم مندمجاً في المجال المستقطب من طرف مدينة وجدة. ومن زاوية تنظيم المجال الوطني، فإن وجود الجهة الشرقية يرتبط بالمجال الحدودي. والإشارة إلى فيكيك في اسم هذه الجهة، لا ترتكز على أهميته الديمغرافية – الاقتصادية، المحدودة جداً، بل على موقعه وأهميته الاستراتيجية. 

6- مجال فاس – مكناس: ويتشكل من أقاليم وعمالات الإسماعيلية، الحاجب، مكناس المنزه، فاس، زواغة مولاي يعقوب، صفرو، تاونات، كرسيف و تازة. 

ويشكل هذا المجال نموذجا جهوياً حقيقيا، بفضل قوة استقطاب مركزها، وحجم التكامل بين مكوناتها المجالية، وترتكز هذه المنظومة الجهوية على التمفصل والترابط ما بين فاس وتلال ما قبل الريف، وعلى الدور الذي يجب أن تقوم به العاصمة اتجاه هذه الناحية، التي ارتبطت بها منذ القديم. 
وبإمكان مدينة فاس أن تقوم بدور العاصمة الجهوية لهذا المجال، لأنها تتوفر على المؤهلات اللازمة لذلك. لكن هذه المدينة عانت كثيراً من الإهمال خلال أكثر من عشرين سنة، وهو الأمر الذي سبب في تدهور كل الامتيازات التي كانت تتوفر عليها، وبالأخص تدهور مدينتها العتيقة. 

7- مجال مراكش: تتكون من أقاليم وعمالات مراكش الحوز، الرحامنة، شيشاوة، اليوسفية وقلعة السراغنة. ويخضع إقليم القلعة إلى جاذبية عدة مراكز، وتشكل المنطقة الجنوبية من الإقليم المجال الوحيد الذي يدور في فلك مراكش، لكننا عمدنا إلى إدماج مجموع الإقليم في هذه الجهة حتى نحترم ونحافظ على وحدته الترابية. 

8- مجال أكادير – الصويرة: وتشكل من أقاليم و عمالات أكادير، شتوكة آيت باها، إنزكان آيت ملول، الصويرة، سيدي إفني، تارودانت، تيزنيت، وكلميم. 

9- مجال بني ملال - خريبكة: وتضم أقاليم أزيلال، بني ملال، الفقيه بن صالح وخريبكة. وبالرغم من أن انتماء خريبكة إلى هذه الجهة ليس بديهياً بحكم أهمية ارتباط هذا الإقليم بالدار البيضاء، فإننا عمدنا إلى إدماجه مع إقليم بني ملال وذلك لتحقيق ترابط وتلاقح لمؤهلات سهل تادلة الغني مع مشاكل التشغيل في الحوض الفوفساطي، إضافة إلى أن هذا الاختيار سيساعد على منع تشكل جهة ضخمة حول الدار البيضاء. 
وتتميز هذه الجهات المستقطبة التسع بتمحورها أو تمركزها حول مدن قطبية، بل وأفضل من ذلك حول ثنائيات حضرية تتشكل من حاضرة قطبية أو عاصمة جهوية ومدينة ارتكاز مساعدة. وتعتبر مراكش الحالة الوحيدة التي تهيمن فيها مدينة واحدة على الجهة. إن مفهوم مدينة الارتكاز المساعدة ليس مفهوماً وصفياً فقط، فهو يحمل دلالة في ميدان إعداد التراب، لأنه يدعونا إلى التفكير في العلاقة ما بين المدينة الرئيسية ومدينة الارتكاز المساعدة، لذلك اقترحنا تسمية للجهات تشير إلى الثنائية الحضرية الموجودة بها، وهذا ليس مجرد مسألة لغوية وشكلية، بل إنه يحيلنا إلى مفهوم الواقع الجهوي في حد ذاته (مراكش تشكل الاستثناء الوحيد). 

المجال غير المستقطب 

أما في المجال غير المستقطب، فيمكن أن نميز ثلاث مناطق: 

* منطقة الأطلس المتوسط: وتتشكل من أقاليم خنيفرة، ميدلت، إيفران و بولمان. 

* منطقة درعة: تتكون من أقاليم ورزازات، تنغير، زاكورة وطاطا. 

* منطقة تافيلالت: تتكون من إقليم الراشيدية. 
ولا تحمل هذه المناطق الثلاث نفس الدلالة ولا نفس المضمون، لذلك اقترحنا أن تحمل أسماء مجالات جغرافية وليس أسماء مدن، فضعف عدد سكانها وظروفها الطبيعية تفرض متطلبات من نوع آخر. 
ويجب أن نضيف هنا أن العواصم الثلاث خنيفرة، الراشيدية وورزازات تشكل على الصعيد الوطني، مراكز استراتيجية بكل ما في هذه الكلمة من معنى. 
وبطبيعة الحال، فإن وضعية الصحراء تشكل حالة متميزة، كما أن إشكاليتها الجهوية لا تخضع بالدرجة الأولى لإعداد التراب. 

6- دينامية التقطيع الجهوي 
يتضمن اقتراحنا الأول تقطيعا جهوياً يشمل عشر جهات. ويستدعي هذا الأمر إبداء ملاحظتين: 
* إن التعامل مع حالة الناضور يندرج في سياق اختيار سياسي، حيث إن ارتقاء هذه المدينة إلى درجة عاصمة جهوية يعتبر أمراً إيجابياً ومستحباً من منظور إعداد التراب الوطني. وإذا لم يُعتمد هذا الاختيار، سنكون مدعويين إلى الاحتفاظ بالجهة الشرقية في شكلها الحالي مع إضافة إقليم دريوش المرتبط اقتصاديا بالناضور، وفي هذه الحالة، سيكون من المنطقي إلحاق مدينة الحسيمة بجهة الشمال، وهو الأمر الذي يعني تشكيل جهة طنجة-تطوان- الحسيمة. 
* أما فيما يتعلق بالمناطق الثلاث المقترحة في المجال غير المستقطب (خنيفرة، الراشيدية وورزازات) يمكن أن نتصور أن تأسيسها يجب أن يكون تدريجياً، وذلك من خلال ربط أو تشارك جهات في إطار جهوي واحد، قبل أن تنفصل إذا اقتضى الأمر عن بعضها البعض في مراحل موالية. وهكذا يمكن أن نتصور في مرحلة أولية جهة مشتركة بين ورزازات والراشيدية، وكذا نفس الشيء بالنسبة لجهة تجمع بين الوسط والأطلس المتوسط، تضم بني ملال وخنيفرة. 
فالمشروع الأول المقترح لعشر جهات هو مشروع مرن، حيث يمكن مضاعفتها إلى 14 جهة (المقترح الثاني)، كما أن إنجازه قابل للتطور التدريجي. 
أما المشروع الثالث المقترح، فقد روعي فيه تراكب المعايير السابقة الذكر، مع إدخال معيارين جديدين (الأحواض المائية الكبرى و انفتاح الجهات)، و قد أفضى بمشروع من 8 جهات كبرى. 
7- جهات التنمية المجالية 

المقترح الأول: 10 جهات (ثمانية جهات قطبية، جهة صحراوية و جهة شبه صحراوية) 

1- الجهة الشرقية: من الناحية الإدارية تتكون هذه الجهة من أقاليم وعمالات وجدة-انكاد، بركان، تاوريرت، جرادة، الناضور، دريوش وفيكيك. 

2- جهة طنجة-تطوان- الحسيمة: وتشمل أقاليم وعمالات شفشاون، الفحص أنجرة، العرائش، طنجة-أصيلة، المضيق-الفنيدق، تطوان و الحسيمة. 

3- جهة الرباط – القنيطرة: وتضم أقاليم وعمالات الصخيرات – تمارة، والرباط، وسلا، والخميسات، والقنيطرة، وسيدي قاسم و سيدي سليمان. 

4- جهة الدار البيضاء – آسفي: وتتكون من الدار البيضاء الكبرى ومن أقاليم بن سليمان، برشيد، سطات، الجديدة، سيدي بنور، و آسفي. 

5- جهة فاس – مكناس: ويتشكل من أقاليم وعمالات الإسماعيلية، الحاجب، مكناس المنزه، فاس، زواغة مولاي يعقوب، صفرو، تاونات، كرسيف و تازة. 

6- جهة مراكش: تتكون من أقاليم وعمالات مراكش الحوز، الرحامنة، شيشاوة، اليوسفية وقلعة السراغنة. 

7- جهة أكادير – الصويرة: وتشكل من أقاليم و عمالات أكادير، شتوكة آيت باها، إنزكان آيت ملول، الصويرة سيدي إفني، تارودانت، تيزنيت، وكلميم. 

8- جهة بني ملال – خريبكة-الأطلس المتوسط: وتضم أقاليم أزيلال، بني ملال، الفقيه بن صالح، خريبكة، بولمان، إفران، خنيفرة و ميدلت. وبالرغم من أن انتماء خريبكة إلى هذه الجهة ليس بديهياً بحكم أهمية ارتباط هذا الإقليم بالدار البيضاء، فإننا عمدنا إلى إدماجه مع إقليم بني ملال وذلك لتحقيق ترابط وتلاقح لمؤهلات سهل تادلة الغني مع مشاكل التشغيل في الحوض الفوفساطي، إضافة إلى أن هذا الاختيار سيساعد على منع تشكل جهة ضخمة حول الدار البيضاء. و تشكل هذه الجهة النموذج الأمثل الذي يمزج ما بين مجال خزان المياه للأطلس المتوسط ومناطق قدم الجبل. 

وترتكز البنية الجهوية على نوعين من علاقات التكامل: 

- الربط ما بين السهل والجبل، خصوصاً وأن هذا الأخير يعاني من اكتضاض سكاني ملحوظ. 

- الربط ما بين المدارات المسقية وحوض الفوسفاط، خصوصاً إذا ما اعتبرنا التراجع المرتقب للتشغيل في القطاع المنجمي. 

تتميز هذه الجهات المستقطبة الثماني الأولى بتمحورها أو تمركزها حول مدن قطبية، بل وأفضل من ذلك حول ثنائيات حضرية تتشكل من حاضرة قطبية أو عاصمة جهوية ومدينة ارتكاز مساعدة. 

9- جهة تافيلالت-درعة: وتضم أقاليم الراشدية، زاكورة، تنغير، وارزازات و طاطا. في ميدان التنمية المجالية، يمكن أن نعالج بطريقة مترابطة مجال تافيلالت الذي يضم الراشيدية- أرفود ومجال درعة التي تشمل ثنائية وارزازات- زاكورة. فنحن هنا، في قلب مجال بيئي هش، يستحق إعطاء الأولوية للانشغال الإيكولوجي. وعلى هذه الجهة معالجة مشكلة الواحات التي يبقى جلها في خطر، و إذا ما استمرت الوضعية في نفس المنحى الحالي، فإنها ستؤول لامحالة إلى الزوال والانقراض. و سيمثل هذا المصير كارثة وطنية نظرا لما لهذه المواطن من قيمة رفيعة المستوى، حيث أنها لعبت دورا حاسما في تاريخ المغرب، وساهمت بشكل عميق في تكوين الهوية الوطنية. هذا إضافة إلى أنها تمثل النـقـط الوحيـدة الآهـلة بالسكان، في مجال شاسع. ومما يزيد الأمر حساسية أن هذا المجال يوافق مناطق حدودية. 
يعتبر إنقاذ الواحات مسألة استعجالية، يجب أن تحظى بالأولوية. ولا يمكن التستر وراء مبرر التغيرات المناخية لتفسير أزمة الواحات، فالأزمة نتاج لتفاعل عدة عوامل، أهمها ذو صلة بالعنصر البشري. 
10- الجهة الجنوبية: و تضم أقاليم طانطان، آسا-الزاك، طرفاية، العيون، السمارة، بوجدور، واد الذهب و أوسرد. بطبيعة الحال، فإن وضعية الصحراء تشكل حالة متميزة، كما أن إشكاليتها الجهوية لا تخضع بالدرجة الأولى لإعداد التراب. 


المقترح الثاني: 14 جهة 
من خلال السيناريو الثاني للتقسيم الجهوي، تم الاعتماد على ترابط معيارين مهمين: الاستقطاب الحضري و تجانس الأوساط. وينطبق المعيار الأول على المناطق الكثيفة التعمير والنشيطة اقتصاديا. أما المعيار الثاني فيخص مجالات الجبال والسهوب والصحاري. 

إن الهدف المركزي للجهة، هو أن تتحول إلى محاور فعال خلال المفاوضات المتعلقة بالتعاقد بشأن التنمية الجهوية. وفي هذا الأفق، سيكون من الضروري أن تشارك جميع أصناف المجالات في هذه المفاوضات، وخصوصاً منها المجالات الأكثر فقراً. وهكذا سيمكن للجهات الصحراوية أو الواحية أن تفرض التعامل معها ككيانات قائمة الذات، وليس فقط كمناطق تابعة وثانوية، لا تستحق أي اهتمام. 

تم في هذا السيناريو اعتماد المقترح الأول مع خلق جهة الناضور الحسيمة و تقسيم جهات الأطلس المتوسط- بني ملال- خريبكة، تافيلالت-درعة و الصحراء. فمناطق الأطلس المتوسط تافيلالت و درعة هي مجالات غير مستقطبة نظرا لضعف عدد سكانها وظروفها الطبيعية التي تفرض متطلبات من نوع آخر. فسواء تعلق الأمر بصيانة خزان المياه في الأطلس المتوسط أو تعلق بإنقاذ الواحات الواقعة جنوب الأطلس الكبير، فإن هذه الجهات الثلاث تستدعي الاستفادة من معاملة واهتمام خاصين. 

ومن هذا المنطلق، نقترح الجهات الجديدة التالية: 

جهة الناضور – الحسيمة: 

إلى حد الآن، الأمر يتعلق بجهة افتراضية، لكن هناك احتمال حقيقي بأن تلعب ديناميات النمو دورا كبيرا في اتجاه خلق هذه الجهة، ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بنمو الناضور. ونذكر هنا، بأن فكرة خلق قطب للنمو بالناضور تعود إلى فجر الاستقلال، وإن اختيار هذه المدينة لتوطين صناعة الصلب والفولاذ لم يكن مجرد قرار تقني وصناعي، بل شكل ذلك اختيارا ترابيا قويا على المستوى الوطني، وفي أفق مغاربي. 

إداريا، تتكون هذه الجهة من أقاليم الناضور، دريوش و الحسيمة: تخضع مدينة الحسيمة لنفوذ عدة جهات وأقطاب، لكن يبدو أن استقطاب الناضور سيكون حاسماً ومهيمناً. ويتوقف وجود هذه الجهة على قرار واختيار سياسيين. 
جهة الأطلس المتوسط 

تشمل جهة الأطلس المتوسط وسطين مختلفين بشكل كبير، السفوح الغربية الرطبة، التي تحتضن أهم جزء من خزان المياه بالأطلس المتوسط، والسفوح الشرقية التي تنتمي إلى الوسط القاحل، شأنها في ذلك شأن هضبة الركام. وفي هذا الوسط شبه الجاف، سمحت الفرشة المائية لملوية الوسطى بظهور واحات باردة. 
وتتحدد وحدة هذه الجهة بالارتكاز على معايير سلبية: العزلة والاكتضاض السكاني. لكن هذا التشخيص لا يعني المنطقة السياحية المحيطة بأزرو وإيفران. ومن المهم أن تحظى الكيانات المجالية التي تعاني من تراكم الصعوبات والمشاكل باعتبارها جهات قائمة الذات، وأن لا نتعامل معها كمجرد ملحقات للمناطق القوية. 

وتهيمن على هذه الجهة ثلاثة مشاكل في ميدان التنمية المجالية: 

- معالجة مشاكل العالم القروي، وبالخصوص مشاكل الوسط الجبلي. 

- صيانة خزان المياه الوسطي الذي يكتسي قيمة وأهمية وطنية، وهو الأمر الذي يستدعي قيام تضامن وطني لفائدة هذه الجهة. 

وقد حان الوقت لكي نتعامل معه بعناية كبيرة، على اعتبار أنه يشكل أولوية في التدبير الترابي. ولا تستطيع وكالات الأحواض القيام بهذه المهمة، بحكم أن نفوذ تدبيرها يتطابق مع الأحواض المائية، ويقسم نطاق خزان المياه فيما بينها. ويمكن للجهات أن تتكلف بهذا الدور، ولكن خارج إطار التقطيع الجهوي الحالي، الذي يتجاهل تماماً المعطيات البيئية، بل في إطار جهات لإعداد التراب تكون مهيأة لهذا الغرض. 
- توسيع الفضاء السياحي للجهة، انطلاقا من القاعدة الحالية لناحية أزرو. 
جهة بني ملال – خريبكة 

سيشكل نمو المدينتين الرئيستين للجهة عنصراً حاسماً، خصوصاً بالنسبة لبني ملال. فمستوى تصنيع هذه المدينة بعيد جداً عن المستوى الذي يليق بها وبمحيطها الفلاحي الغني، خصوصاً في فرع الصناعات الفلاحية الغذائية. وبطبيعة الحال، يشكل التساؤل حول مستقبل السقي الكبير والتحولات الهامة التي ستميز تطوره المستقبلي، خلفية وإطاراً عاماً لمشاكل الإعداد بهذه الجهة. 

جهة تافيلالت 
تمتاز هذه الجهة بحمولة تاريخية متميزة، كما أنها تستحق عناية خاصة، أساسا بسبب وضعيتها المائية المقلقة. و سيكون من الضروري، في المرحلة الأولى، إعادة النظر في ممارسات السقي الحالية، واعتماد طرق جديدة للري أكثر احتراما وعناية بالمورد المائي، يمكن استنباطها من التقاليد العريقة للمنطقة في هذا الميدان. 

جهة درعة 
هي جهة أهم وأكبر من جهة تافيلالت.، يخضع مجالها إلى تدهور معروف جيداً، يمس الفرشات الجوفية والواحات، وأشجار النخيل، والسكن التقليدي والتراث. وتمكن مداخيل الهجرة من تثبيت ساكنة تفتقد لقاعدة اقتصادية جهوية حقيقية، لكن هذه المداخيل يمكنها أن تخلق فرصا فعلية للتنمية. 
وكما ذكرنا من قبل يمكن في ميدان التنمية المجالية أن نعالج بطريقة مترابطة مجال تافيلالت ومجال درعة إلا أن العامل الجغرافي الطبيعي يؤثر في تكوين هاتين الجهتين. 
جهتين صحراويتين: من زاوية السكان يمكن أن نميز بوضوح بين منطقة شمالية (أسا – الزاك، طان طان، السمارة، العيون)، تضم ساكنة تتجاوز 420.000 نسمة (سنة 2007)، ومنطقة جنوبية (بوجدور، واد الذهب، أوسرد) أكثر اتساعاً، لكنها تضم عدداً أقل من السكان بحوالي 192.000 نسمة (سنة 2007). فمبدئيا هناك مجال لخلق جهتين متباينتين. 


المقترح الثالث: 8 جهات 
من خلال السيناريو الثالث للتقسيم الجهوي، تم الاعتماد على تراكب ثلاثة معايير أساسية: الأحواض المائية، الاستقطاب الحضري و الانفتاح على الخارج من خلال التوفر على التجهيزات المينائية. وقد روعي في الجهات المقترحة: 
أن تلتئم حولها الساكنة التي تستخدم موارد جماعية، و بالخصوص الأحواض المائية. 
أن تكون مستقطبة بشكل كاف من مدن تكون بمثابة مجال الربط بين الاقتصاد المحلي والمجال الوطني الأوسع، ومصدر تموين بالخدمات المتخصصة التي تحتاج إليها الساكنة (التعليم، الصحة، التجارة، والخدمات الإدارية)؛ 
أن تكون متجانسة من الجانب المتعلق بالجغرافية وبأشكال الاستخدام التقليدي للمجال؛ 
التوفر على بنية إدارية خاصة قادرة على مباشرة الإجراءات الضرورية، واعتماد الخيارات المطلوبة في إطار عملية التنمية المجالية. 
الخلاصة أن الأمر يتعـلق بتحديـد مجموعات ترابـية، حيث السكان والبنيات قوية ومنسجمة بما فـيه الكفاية لإخراج المشاريع الجهوية المهيكلة إلى حيز الوجود. 
ومن هذا المنطلق، نقترح الجهات الجديدة التالية: 
1- وجدة-الناضور-ملوية : من الناحية الإدارية تتكون هذه الجهة من أقاليم وعمالات وجدة-انكاد، بركان، تاوريرت، جرادة، الناضور، دريوش، كرسيف، بولمان، ميدلت وفيكيك. 

وتتطابق حدود هذه الجهة مع نفود الحوض المائي ملوية-إسلي مع استثناء الأجزاء الجنوبية من أقاليم فكيك و ميدلت التي تخضع كذلك لنفود الحوض المائي الجنوب الأطلسي، و الجزء الشمال الغربي من إقليم الناضور و مجمل إقليم الدريوش التابعة لنفود الحوض المائي الساحلي المتوسطي. إلا أن وحدة الأقاليم الُثلاثة الأولى و ارتباط إقليم الدريوش بالناضور، يفرض علينا إدماج هذه الأقاليم كلها في جهة متجانسة تربط السهوب الشبه صحراوية مع المجالات الساحلية القوية. 

وهي بذلك تشكل استثناء للقاعدة التي اعتمدناها في التقطيع الجهوي، والتي تقتضي أن نميز الجهات القاحلة، وأن نتفادى ربط المجالات الصحراوية القارية بالساحل. 

ويتبرر هذا الاستثناء بثلاثة اعتبارات: 

* لا تتوفر مناطق فيكيك بولمان و ميدلت على عدد كاف من السكان لكي تكون جهة قائمة بذاتها، كما أن بعد الراشيدية وتواضعها، يحول دون ربطها بهذه الجهة الافتراضية. 

* يكون الارتباط بين فيكيك و وجدة محورا قديما وتقليديا، كما أنه ارتباط يحتفظ بكل حيويته. 

* تمتاز هذه الجهة بتنوع كبير، فهي تضم الشواطئ المتوسطية، والواحات الصحراوية، مروراً بالمدارات السقوية، وسهوب الحلفاء، والهضبة الكارستية للركام، و دير ملوية العليا الذي يمثل مجال الانتقال من الأطلس المتوسط إلى سهوب مقدمة الصحراء، الجبال الجافة لآيت سغروشن وغابات جبال جرادة و دبدو. 
وقد تم اقتراح ربط أقاليم بولمان و ميدلت مع الجهة الشرقية الحالية، نظرا لتجانس نطاقات حوض ملوية الذي يعرف اقتصادا رعويا متشابها مع مجالات سقوية متوسطة وصغيرة. أما كرسيف، فبحكم موقعه في ملتقى الطرق بين وجدة و تازة، فإنها أضحت سوقا يجمع المنتجات القروية من ماشية و أعلاف و منتوجات فلاحية التي تنتجها ملوية الوسطى. 
وتبقى المياه نادرة، حتى في الجزء الشمالي من الجهة، إذ أنها تتكون من موارد باطنية، ومن مياه السطح التي يتم تخزينها بصفة أساسية في سد محمد الخامس على وادي ملوية. ونتيجة لذلك، فإن الزراعة بالجهة تنقسم إلى نوعين: بورية في أغلبية المساحة الصالحة للزراعة، ومسقية في حدود بسيطة من هذه المساحة، انطلاقا من السدود الكبرى المقامة على نهر ملوية، أو في إطار السقي الصغير والمتوسط. 

وتطرح هذه الجهة مشاكل متنوعة جدا، يأتي على رأسها إغلاق الحدود مع الجزائر الذي سبب في أضرار بليغة للاقتصاد الجهوي. ولا يتعلق الأمر هنا، بانتظار فتح هذه الحدود، لأن هناك مشاكل مستعجلة لا تقبل الانتظار ونذكر منها: 

- نمو وجدة ومشاكل التشغيل، والتزود بالماء الشروب والتحكم في توسع هذه المدينة. 

- السياحة الساحلية، وبالخصوص المشروع الكبير للسعيدية، والذي يطرح من جديد مشكلة التحكم في عقار مثل هذه المجالات. 

- تلويث الفلاحة للمدار المسقي. 

- تحويل القاعدة الاقتصادية لجرادة. 

- تثمين الزراعات الشجرية و خصوصا الورديات بإقليم ميدلت. 

- مستقبل السهوب، وبصيغة أخرى مستقبل تربية الأغنام. 
- إنقاذ وتنمية واحة فيكيك التي تتوفر على مؤهلات سياحية مهمة، شريطة المحافظة على الوسط الواحي، وتجهيزه بالبنيـات التحتية الضرورية. 
2- جهة طنجة-تطوان: وتشمل أقاليم وعمالات شفشاون، الفحص أنجرة، العرائش، طنجة-أصيلة، المضيق-الفنيدق و تطوان. 
وتتطابق هذه الحدود مع حدود الجهة الحالية لطنجة – تطوان، حيث أن هذه الأخيرة لا تطرح أية مشكلة، ما عدا، إذا تبنينا اختيار تشكيل جهة كبيرة تغطي مجموع جبال الريف و الحوض المائي المتوسطي. لكن هذا الخيار غير واقعي، لأن هذه المنطقة تتكون في الحقيقة من مجالين مختلفين: سفوح الجزء الغربي المتجهة نحو طنجة وتطوان، وسفوح الجزء الشرقي المتوجهة نحو الناضور. 
وتتوفر هذه الجهة على خصوصية تاريخية قوية: فبدون أن نعود إلى حقبة موريطانيا الطنجية، يكفي لإبراز هذه الخصوصية، أن نذكر بأن التقطيع الاستعماري عزل هذه الجهة عن بقية البلاد، وبأن عودتها إلى حظيرة الوطن سنة 1956 واجه بعض الصعوبات، كما أن الجهة لا زالت تعاني من تداعيات الاستعمار الإسباني، خصوصا في الميدان العقاري. ويمثل احتلال مليلية منذ 1415، وحرمان المملكة من أهم موانئها، والجهة من مركز دعم نموها، أول عنصر مميز لهذه الجهة. أما العنصر الثاني فيتمثل في الاكتضاض السكاني الملحوظ للريف الغربي، وأخيراً، تشكل الثنائية القطبية طنجة – تطوان العنصر الثالث المميز لهذه الجهة. فهذه الثنائية عبارة عن منطقة اقتصادية من الدرجة الأولى، ستعرف بدون شك نمواً سريعاً بترابط مع تقوية العلاقات مع أوربا. ويعكس الميناء المتوسطي الجديد بين طنجة و سبتة دينامية هذا النمو. وتحتضن هذه الثنائية حاليا أنشطة اقتصادية ذات أهمية كبيرة في قطاعات السياحة، والصناعة و الصناعة التقليدية. وتعتبر منطقة العرائش والمدارات المسقية في اللكوس، في جنوب هذه الجهة، منطقة فلاحية ذات تموقع ممتاز بالنسبة للتصدير. من الواضح إذن أن الجهة تتوفر على مزايا ونقط قوة عديدة. 
و من منظور إعداد التراب، تواجه الجهة مشكلة أساسية تتمثل في التنافس الحاد على استعمال الأرض، خصوصاً في المجال الساحلي. وهي وضعية كلاسيكية وطبيعية في جهة كثيفة السكان و خاضعة لضغط قوي بسبب نموها السريع. وتزداد الوضعية تعقيداً في هذه الجهة بسبب أهمية الاقتصاد الموازي الذي تعرفه هذه الجهة. 
3- جهة فاس – مكناس- الحسيمة: وتتشكل من أقاليم وعمالات الإسماعيلية، الحاجب، مكناس المنزه، إفران، فاس، زواغة مولاي يعقوب، صفرو، تاونات، الحسيمة و تازة. 
تشكل هذه الجهة نموذجا جهويا حقيقيا بفضل قوة استقطاب مركزها و حجم التكامل بين مكوناتها المجالية و أهمية المحور المهيكل الذي يخترقها. كما أنها تستفيد من رطوبة جوية ممتازة، هذا بالإضافة إلى توفرها على أكبر حقينة مائية في البلاد. 
ويعتبر سايس الذي يتوفر على شروط ممتازة لقيام الفلاحة، القلب النابض لهذه الجهة. كما تعرف أجزاؤها الشمالية خصوصا في نواحي تاونات و الحسيمة، اكتضاضا سكانيا كبيرا، يتفاعل مع ضعف في التجهيزات القروية نظرا للطبيعة الجبلية للمنطقة. و ترتكز هذه المنظومة على التمفصل و الترابط ما بين فاس و جبال الريف الأوسط، و على الدور الذي يجب أن تقوم به هذه المدينة اتجاه هذه الناحية، نظرا لتوفرها على المؤهلات اللازمة لذلك، ففاس تمثل مركزا إنتاجيا و ثقافيا ذو حجم دولي، قادر على تحقيق نمو كبير، شريطة منحها الإمكانيات الملائمة. 
أما إلحاق إقليم الحسيمة بهذه الجهة، فقد سبق أن أشرنا في الاقتراحين السابقين، بأن هذا الإقليم يخضع لنفوذ عدة جهات وأقطاب، لكن استقطاب فاس في هذا المقترح سيكون حاسما لإعطاء هذه الجهة بعدا متوسطيا يساهم في انفتاحها نحو الخارج. 
ومن بين المشاكل المعقدة والحساسة التي يجب معالجتها، هناك مشكلة القيادة الثنائية لهذه الجهة أو "ثنائية الرأس"، التي ستزداد حدة في النسق الجديد للامركزية والمبادرة المحلية. لذلك تكتسي فكرة جمع المدينتين (فاس – مكناس) في جهة واحدة، وتحت رعاية وتحكيم ممثل وحيد للدولة، أهمية حقيقية. وإذا كان تحقيق الربط والشراكة بين مدينتين متنافستين أمر صعب، فإن الوصول إلى هذا الهدف سيفتح آفاقاً واعدة، بفضل تكوين قطب حضري من الدرجة الأولى، وذو وزن دولي في قلب البلاد. 
4- الجهة القطبية الوسطى: وتضم أقاليم وعمالات الصخيرات – تمارة، والرباط، وسلا، والخميسات، والقنيطرة، وسيدي قاسم، سيدي سليمان الدار البيضاء الكبرى، بن سليمان، برشيد، سطات، الجديدة وسيدي بنور. 
ويمكن تبرير خلق هذه الجهة الكبرى بالتكامل الوظيفي للثنائية القطبية الدار البيضاء - الرباط ، وكثافة علاقاتهما، وقرب المسافة بينهما، وبالارتباطات الاقتصادية والاجتماعية التي تجمعهما، إضافة لاحتضانهما لعدد كبير من السكان. 
وتظهر هيمنة مدينة الدار البيضاء بشكل جد واضح في ميدان الخدمات المقدمة للمقاولات والأنشطة المالية. إن ما يميز هذه المدينة وأهميتها الاقتصادية في المنظومة الحضرية المغربية، هو أنها تقع في قلب نظام المواصلات في البلاد، وأنها تجمع بين وظيفتين جوهريتين: من جهة، الإنتاج (الصناعة)، ومن جهة ثانية، الخدمات الاقتصادية وأنشطة الوساطة المتمحورة حول الميناء. وبذلك فإن مدينة الدار البيضاء عاصمة مزدوجة الوظائف، كما أنها تحتل مرتبة دولية، وتشكل الورقة الرابحة الرئيسية التي
يتوفر عليها المغرب في مواجهة المنافسة الدولية. 
لكن توظيف هذا الامتياز وهذه الورقة الرابحة يصطدم بمجموعة من المعوقات الحضرية، التي تفسر في نفس الوقت، الصعوبات الاقتصادية للتجمع الحضري البيضاوي، وضعف التنمية الاقتصادية على الصعيد الوطني. فالأزمة الحضرية لمدينة الدار البيضاء تشكل حصّاراً قوياً للتنمية الشمولية للبلاد. ومن أهم مظاهر هذه الأزمة، الاستغلال الضعيف وغير الكافي للمؤهلات الاقتصادية لهذا القطب الحضري، بسبب نقص التجهيزات التحتية، وضعف الجودة الحضرية، وتدبير وسائل النقل الجماعي، والمناطق الصناعية ... وفي ميدان آخر، لا يرقى مستوى التكوين المهني بهذه المدينة إلى مستوى معدل المغرب الحضري، في وقت يشكل فيه هذا التكوين "مفتاح التنمية". 
أما الرباط فهي، في نفس الوقت، العاصمة السياسية للبلاد، وعاصمة للمرافق العمومية الكبرى، كما أنها تعتبر أكبر قطب ثقافي وعلمي في المغرب. وإذا كانت الميزة الرئيسية للرباط ذات ارتباط وثيق بوظيفة العاصمة السياسية، فإن سجلها الاقتصادي واسع جداً، يشمل أنشطة متنوعة بما في ذلك النشاط الصناعي. ويشكل القرب من الدار البيضاء امتيازأً إضافياً وباستطاعة الرباط أن تحتضن صناعات طلائعية، ومعاهد متخصصة في ميدان البحث والتنمية، كما يمكنها تهييء مجالات مخصصة للتقنيات الراقية (أقطاب تكنولوجية موجهة للرساميل المغربية والأجنبية). ويجب أن يكون التكامل والتآزر، هي الأسس التي تقوم عليها العلاقات بين هاتين المدينتين القطبيتين، وسيشكل تشجيع المنافسة بينهما، أسوأ توجه يمكن اعتماده في تدبير هذه العلاقات. 
وتستمد ضرورة التكامل هذه، مبرراتها من تمركز أنشطة تدبير المقاولات (المقرات الاجتماعية للمكاتب والشركات الكبرى) في الدار البيضاء، وتمركز الإدارة بالرباط، ، مما يحتم ضرورة تنظيم النمو المترابط للعاصمتين الاقتصادية والسياسية وللمدن التي تدور في فلكهما. 
وكما أكدنا من قبل على أن الغرب ينتمي إلى المناطق الخلفية للرباط، بالرغم من توفره على هوية خاصة ترتكز على التمحور حول القنيطرة، فإنه سيكون من الطبيعي إلحاقه بهذه الجهة الكبرى. 
أما المدن المتوسطة الواقعة في هذه الجهة القطبية ( القنيطرة، سطات، الجديدة والخميسات)، والتي تخضع لاستقطاب هذه الثنائية الحضرية، فهي و إن كانت مدن قوية، إلا أنها لا تتخصص بشكل ملحوظ في وظيفة أو نشاط معين، بل تتسم بتساوي هذه الأنشطة والوظائف: أي إنتاج السلع، إعادة الإنتاج البسيط، إعادة الإنتاج الموسع، والوساطة. وإن دل هذا الوضع على شيء، فإنما يدل على وجود نطاق حضري ذو جودة بديهية، ومتوفر على مستوى جيد للأنشطة، إضافة لمؤهلاته القوية في مجال التنمية. وبذلك تكون هذه المدن قادرة على أن تشكل محطات انتقالية للتنمية، تعمل على إشعاعها في مجال أوسع، وهذا عنصر هام بالنسبة لإعداد التراب. 
كما تتسم هذه المدن بمستوى تصنيع متوسط، يمكنها أن تشكل متنفساً يخفف من الضغط الصناعي على الثنائية القطبية. وهذا الأفق يعني على وجه الخصوص، كل من الجديدة والسطات، ولكن أيضاً مدينة بن سليمان. 
و يتضح مما سبق، أن هذه الجهة الكبرى تشكل قاعدة اقتصادية أساسية للمغرب، منفتحة على العالم، وفي قلب منظومة العلاقات الداخلية. 
5- جهة مراكش-تانسيفت-أم الربيع: تتكون من أقاليم وعمالات مراكش الحوز، الرحامنة، شيشاوة، اليوسفية، قلعة السراغنة آسفي، الصويرة، أزيلال، بني ملال، الفقيه بن صالح، خريبكة و خنيفرة. 

ينتمي نفوذ هذه الجهة المفترضة إلى كل من حوضي أم الربيع و تانسيفت، داخل ما يعرف جغرافيا بالنطاق الوسطي الذي يرتكز على العلاقة المباشرة بين المناطق الجبلية والمناطق الواقعة في قدمها أو سافلتها، وهي تشكل القلب النابض للمغرب في الميدان الفلاحي والقروي (تادلة - الحوز)، إلا أن تجانس الجهة و تكاملها يبقى موضع نقاش لأنها تشمل مجالات طبيعية و بشرية متنوعة و مختلفة، إلا أن العودة إلى معيار مجالات النمو، يبين لنا من خلال المجالات المقتسمة والتي تقع في الفجوات التي تفصل المجالات المستقطبة و المجالات غير المحددة التوجه أن : 

- الرحامنة بين الدار البيضاء ومراكش. 

- شيشاوة بين أكادير، مراكش والدار البيضاء. 

- آسفي بين الدار البيضاء و مراكش 

- دمنات بين الدار البيضاء، تادلة، مراكش وأكادير. 

- الصويرة بين أكادير، مراكش والدار البيضاء، مع هيمنة ملحوظة لاتجاه سوس. 

- خريبكة التي تشكل حالة خاصة، بسبب ارتفاع مستوى حركات الانطلاق، وتعدد وجهات تيارات الهجرة، خصوصاً في اتجاه الرباط، الدار البيضاء وتادلة. 

- خنيفرة بين بني ملال، الرباط و كل الاتجاهات. 

من الواضح إذن، أننا أمام مجالات متباينة إلا أن المشاكل وأنماط التدبير الترابي لا تختلف بشكل واضح، فمجمل هذه المجالات تعاني من تخلف معمم للبوادي، سواء في السهل أو الجبل. وتخضع المدن بهذه الجهة لانعكاسات هذه الوضعية، حيث تواجهها صعوبات جمة للرفع من مستوى نمو محيطها الإقليمي، الذي يتخبط في مشاكل ترتبط بالاكتضاض السكاني، والانتشار الواسع للفقر، وقدم وبساطة وسائل الإنتاج الفلاحي. وبالرغم من النمو الاقتصادي لأغلب مدن الجهة، والتطور الصناعي المهم، فإن الوضعية الجهوية العامة تبقى هشة ومثيرة للقلق، خصوصاً وأن القاعدة الأساسية للاقتصاد الفلاحي، وهي الفرشة المائية مهددة بالاستغلال المفرط. 
تتميز هذه الجهة إذن بالتكامل والتشارك في "الدير" عند قدم الجبل المسقي بفعل المياه المنبعثة من الجبال والذي يشكل رصيفا للمرور والتمدن في قدم الجبل. وللإشارة فإن محور المرور يتواجد في قلب التراب المغربي حيث يطابق "طريق السلطان" كصلة وصل بين فاس ومراكش عبر بني ملال ، قصبة تادلة وخنيفرة. 
يكمن التكامل بين الجبل والسهل في أن الأول يوفر الماء للثاني مما يعكس أساس النظام المغربي، حيث إن هذا التكامل يكيف الحياة الزراعية ويحدد نمط العيش على العموم، لكن هذا التضامن الذي هو نتاج الطبيعة والتاريخ لا يصاحب بتضامن اجتماعي فعلي، فعلى هذه الجهة إذن تدارك التأخر الذي تعرفه أغلب أقاليمه استنادا على مبدأ التآزر الترابي المتفاوت و الاستناد على دينامية مدنه الجهوية. 
6 - جهة تافيلالت-درعة: وتضم أقاليم الراشدية، زاكورة، تنغير، وارزازات و طاطا. 
تقع هذه الجهة تحت نفوذ الحوض المائي الجنوب الأطلسي، وهي الوحيدة التي لا تتوفر على منفذ بحري لبعد المسافة بينها وبين الساحلين المتوسطي أو الأطلسي، باستثناء إذا اعتبرنا أن إقليم كلميم يمكن أن يلعب دورا مهما لانفتاح هذه الجهة نحو الخارج. ويبقى هذا الخيار مطروحا للنقاش باعتبار أن الإقليم المذكور يضم بعض المجالات الواحية. 
وفي جميع الحالات، ستشكل السياحة في المستقبل النشاط الرئيسي لهاته الجهة، لذلك يجب العمل على إعادة تأهيل التراث الطبيعي والمبني، باعتبارهما أهم مجال للاستثمار المنتج. وتنتمي هاته الجهة الافتراضية، منذ مدة قليلة، إلى الغلاف الحياتي للواحات. ومما لا شك فيه، أن هذا التصنيف العالمي، سيساعد على نشر الوعي بخطورة المشاكل المطروحة في هذا المجال، وبضرورة التعجيل بحلها. 

ومن منظور التنمية المجالية، فإن المشكل الجوهري يكمن في ضرورة الاستجابة المتزامنة والمترابطة لمتطلبات مختلفة هي كالآتي: 

- إعادة تأهيل مختلف أشكال التراث. 

- إنقاذ النشاط الفلاحي. 

- ارتقاء المدن، وفي الدرجة الأولى ارتقاء المدينتين الكبيرتين بهذا المجال، ويتعلق الأمر بالراشيدية و وارزازات. 
7- جهة سوس-أكادير-كلميم: وتشكل من أقاليم و عمالات أكادير، شتوكة آيت باها، إنزكان آيت ملول، سيدي إفني، تارودانت، تيزنيت، وكلميم. و تقع تحت نفوذ الحوض المائي لسوس-ماسة و الساحلي أكادير-تزنيت. 
وهي جهة متميزة جداً، وتتوفر على هوية تاريخية وجغرافية قوية. ويمكننا أن نقول بأنها أكثر الجهات جهوية في البلاد، لأنها تتشكل من المنطقة التي تجمع ما بين السهل الوسطى والجبال المحيطة به وهي الأطلس الكبير في الشمال، الأطلس الصغير في الجنوب، وجبل سيروا في الشرق الذي يحقق الربط بينهما. وتمثل هذه الجهة نوعاً أصيلا ومتميزاً لمناطق الدير، تقع في أقصى الجنوب، وتستفيد، بفضل موقعها المحظوظ، من الموارد المائية القادمة من الجبال المحيطة بها، ومن الرطوبة اللامرئية القادمة مباشرة من المحيط. وقد شكل سوس الأقصى، عبر مختلف المراحل التاريخية، قطباً اقتصادياً وثقافياً على الصعيد المغاربي بل وعلى صعيد العالم . 
وعرفت أكادير و مجال نموها في المرحلة المعاصرة نهضة اقتصادياً كبيرة، وتوسعاً لمجال إشعاعها ليشمل كل من تارودانت، سيدي إفني، كلميم و تيزنيت، دون أن ننسى دورها في الصحراء. 
8- الجهة الجنوبية: و تضم أقاليم طانطان، آسا-الزاك، طرفاية، العيون، السمارة، بوجدور، وادي الذهب و أوسرد. وتكتسي مشاكلها أساسا، كما سبق ذكره، صبغة سياسية خاصة. 
وإذا تجاوزنا المنظور السياسي للصحراء المغربية يمكن أن نميز بوضوح من زاوية السكان بين منطقة شمالية (أسا – الزاك، طان طان، السمارة، العيون)، تضم ساكنة تقارب النصف مليون نسمة، ومنطقة جنوبية (بوجدور، وادي الذهب، أوسرد) أكثر اتساعاً، لكنها تضم عدداً أقل من السكان، يبلغ حوالي 200.000 نسمة. 
و كما أشرنا إلى ذلك في المقترح الثاني، يمكن التمييز بين المنطقة الشمالية لصحرائنا بمساحة تصل إلى 137.000 كلم2، وبمساهمة مرتفعة في الناتج الداخلي الخام بفضل أهمية قطاعي الفوسفاط والصيد البحري والاستثمارات الأخرى للدولة. وهكذا يتجاوز الناتج الداخلي الخام الفردي، بشكل ملحوظ، المعدل الوطني. وبالرغم من ضعف عدد سكانها، يمكننا أن نعتبر هذه المجموعة من الأقاليم مجالا قائم الذات، يتمحور حول عاصمة هامة هي العيون، وتتوفر على مؤهلات نمو حقيقية. 
أما في المنطقة الجنوبية للصحراء المغربية، فتختلف الوضعية، فنحن هنا أمام مجال شاسع يصل إلى 150.000 كلم2، لا يتوفر إلا على حاضرة متوسطة الحجم –الداخلة- لا يمكن أن تفرض وجودها اعتمادا فقط على حجمها المجالي. 
وفي ظل هذه الحيثيات، تتباين إشكالية الإعداد من الشمال إلى الجنوب، فمبدئيا هناك مجال لخلق جهتين متباينتين، لكن عمق المشكل يبقى مشتركا، حيث أن الأمر يتعلق في الحالتين معا بمجالات تفرض منح الأولوية المطلقة للانشغال البيئي، وتفرض التعامل معها، كمناطق غلاف حياتي يجب أن يحظى بالأسبقية. 



منقول 
كافة الحقوق محفوظة 2017 - لفاك ماروك | تعريب سعيد زنـاني