مفهوم الجغرافيا
أ-في المعاجم العلمية: جاء في معجم AndréLa Lande ما نصه:
" الجغرافيا وصف لمختلف مناطق سطح الأرض،
دراسة و بقدر الإمكان، تفسير للظواهر الطبيعية و السياسية و الاقتصادية في علاقاتها
بالمكان و فيما بينها"
نفس الرؤية نجدها عند Paul Foulquié المختص في العلوم الاجتماعية حيث ربط المؤلف كلمة الجغرافيا بأصلها اليوناني:
" الجغرافيا مادة تهتم بوصف سطح الأرض و من الوصف تتقدم شيئا فشيئا إلى التفسير
القائم أساسا على الجيولوجيا التي تدرس الطبقات الباطنية للسطح و تاريخها و الظواهر
الجوية".من خلال إدراجنا لهذين التعريفين نلمس بأن الجغرافيا في المعاجم العلمية
هي وصف و تفسير فما هو رأي أهل الاختصاص في التعريف بمادتهم؟
ب- الجغرافيا عند أهل الاختصاص:جاء في معجم الجغرافيا
الذي قام بإنجازه نخبة من مشاهير الجغرافيين الفرنسيين بإشراف Pierre George ما يلي: " بخلاف الجيولوجيا فإن الجغرافيا علم بشري بعد أن كانت
في بعض الأوقات علما رياضيا [ تعريف و قياس أشكال الأرض و أبعادها ] و هي تهدف إلى
إبراز و محاولة تدقيق طبيعة و كثافة العلاقات و الروابط التي تطبع حياة المجتمعات البشرية
و تكييفها و تتحدد هذه العلاقات في نطاقات متدرجة أعلاها الكرة الأرضية الجغرافية العامة
و أوسطها القارات و أشباهها الجغرافية النطاقية و الإقليمية و أسفلها المجالات المكانية
الجغرافية المحلية الإقليمية أو الحضارية و تختلف هذه العلاقات بفعل صنفين من العوامل
مختلفة كل الاختلاف: عوامل طبيعية الجغرافية الطبيعية و أخرى ناجمة عن تراكم أفعال
الإنسان المتنوعة حديثا و قديما الجغرافية البشرية.
و من الضروري أن يعالج كل صنف من هذه المعطيات باعتبار
مكانتها ضمن مجموعة العناصر المتصلة بالأرض و فق منظور جغرافي شامل بحيث يعمل الجزء
على فهم الكل، و تتبلور هذه المعطيات بأكملها في الجغرافيا الإقليمية التي تتخذ من
الخريطة الإقليمية وسيلة لتجميع و مقارنة و تنسيق المعلومات المستقاة من الدراسات التحليلية
لحالة و تطور الأوضاع و العلاقات الخاصة لمكان معين قد يكون من الضروري تحديدها مسبقا.
و قد جاء في الموسوعة البريطانية: الجغرافيا هو
العلم الذي يصف و يحلل التحولات المكانية للظواهر البشرية و الطبيعية على سطح الأرض
و ترتبط الجغرافيا بالأرض و علومها كما ترتبط أيضا بالعلوم الإنسانية.
هكذا فإن الجغرافيا تعني دراسة التفاعل بين الإنسان
و البيئة داخل كل إقليم حسب إمكانية و ظروف كل إقليم و هذا ما تؤكد عليه المدرسة المكانية
التي ارتبط اسمها بالجغرافي الفرنسي Vidal de la Blache .
مفهوم الجغرافيا الطبيعية:مفهوم جزئي يتفرع عن الجغرافية
العامة التي تعني دراسة التفاعل القائم بين الإنسان و البيئة، و بالتالي فالجغرافية
الطبيعية هي فرع من فروع الجغرافيا و التي تهتم بدراسة مكونات الأرض طبيعيا حيث أنها
هي الأخرى لها تفريعات ثانوية هي:
• جغرافية التضاريس:
و أشكال السطح يطلق عليها علم الأشكال الجيومورفلوجيا و التي تستعين بالعلوم الطبيعية
و في مقدمتها الجيولوجيا.
• جغرافية المناخ:
تعني دراسة الغلاف الغازي و ظواهر الجو و أنماط المناخ المختلفة.
•البيوجغرافية: تهتم
بالنبات و الحيوان إضافة إلى الإنسان و التفاعل القائم بين هذه العناصر كلها
مفهوم الجغرافية البشرية:هي فرع من فروع الجغرافيا
العامة تتقاطع مواضيعها مع مواضيع التاريخ و الديموغرافيا و السوسيولوجيا و تنقسم بدورها
إلى ثلاث فروع:
• جغرافية السكان:
تهتم بدراسة السكان في بنياتهم و توزيعهم و تنقلاتهم.
• الجغرافية الاقتصادية:
تهتم بدراسة الاستراتيجيات المرتبطة بالإنتاج و تداول الثروة الإنتاجية و تأثيرها على
المجال.
يعرفها بيير جورج: تدرس أشكال الإنتاج و تحدد مواطن
الاستهلاك بالنسبة لمختلف المنتوجات في مجموع العالم فهي علم من العلوم الإنسانية و
علم اجتماعي يدرس: الإنتاج، التنقل، التبادل، الاستهلاك...
• جغرافية البيئة:
تهتم بدراسة البيئة و سبل المحافظة على التوازن الطبيعي.
- المدارس الجغرافية: مهما يكن فإننا إذا
ركزنا مليا في مختلف التعاريف التي أعطيت للجغرافيا و في مختلف المواضيع التي تطرقت
لها ،نجدها تلتقي في اهتمامها بالمجال الجغرافي بمفهومه الواسع ،سواء في مرحلتها الوصفية
أو المرحلة السببية ،و لمحاولة معالجة و تحليل الإشكاليات التي يطرحها هذا المجال خاصة
في علاقته بالإنسان ،أي هل أن الإنسان خاضع للطبيعة؟ أم أنه فاعل فيها؟
هذا الإشكال ظهر جليا خلال ق 19م ،و حاولت الجغرافيا
الإجابة عليه ،فأفرزت ظهور ثلاث مدارس جغرافيا و بالتالي ثلاث وجهات نظر.
2 -1- المدرسة الحتمية: ركزت موقفها في علاقة
الإنسان بالمجال في غلبة الجانب الطبيعي ،إذ يؤكد رواد هذه المدرسة أن المجتمع البشري
إنما كونته و صاغته مجموعة من العوامل و القوى الطبيعية ، و أن الإنسان أسير بيئته
،يسايرها أكثر مما يعمل على فهم كنهها. و نجد على رأس هؤلاء الرواد الجغرافي الألماني
كارل ريتر (1779-1858)
Karl Ritter الذي يركز على أثر البيئة الطبيعية في تاريخ
الشعوب ،إذ يعتبر أن الإطار الطبيعي بالنسبة له يحدد أشكال التوزيع و الاستقرار البشريين
،كما أن الجغرافي فريديريك راتزل Fréderic Ratzel حاول أن يحدد قوانين طبيعية تحدد توزيع الجنس البشري انطلاقا من مسلمة
و هي أن كل كائن حي هو نتاج للوسط الذي يعيش فيه،(9) و من رواد هذه المدرسة كذلك (همبلت Wilham von Humollot ،أوسكار بشل Oscar Peschel مؤسس الجغرافية الطبيعية) و خلاصة القول، أن هذه المدرسة تضخم من سلطة
الطبيعة و تغافلت و انتقصت من قدرة الإنسان على مواجهتها أو إخضاعها.
2-2- المدرسة الإمكانية: ارتبط إسمها بالجغرافي
الفرنسي فيدال دو لابلاش
Vidal de la Balache ،الذي كان يشارك أقطاب الجغرافية الألمانية RitterوRatzel ،إذ يرفض de la balache مفهوم الحتمية و يفسر التفاعل بين الإنسان و البيئة داخل كل إقليم حسب
إمكانية و ظروف كل إقليم،و هكذا فمفهوم الإمكانية يعني الإرتكاز على دور الإنسان كعنصر
حاسم و مؤثر في الطبيعة عبر التاريخ بواسطة فكره ووسائله وإمكانياته ،لكنه يتأثر بدوره
بهذه الطبيعة دون أن يكون خاضعا لها. و هذا ما ركز عليه رواد هذه المدرسة في كل كتاباتهم
على دور الإنسان في بلورة المجال الجغرافي، ويكفي أن نشير إلى كتاب "مبادئ في
الجغرافية البشرية"لفيدال دو بلاش 1922 و "الجغرافية البشرية" لجون
برينتس
J.Brunttes 1910. و كتاب "مشاكل الجغرافية البشرية"
لدومنجون
A.Domangean ،
و "أسس الجغرافية البشرية" لماركس سور M.Sorre.
2-3- المدرسة الاحتمال برز هذا الاتجاه كحل وسط
بين مغالاة البعض في إبراز دور قوى الطبيعة ،و البعض الآخر لقوى الإنسان. و انطلقت
هذه المدرسة من إشكال كبير و هو :هل يمكن أن نحدد بدقة كل الأسباب التي أدت إلى ظاهرة
معينة؟ يبدو أنها حالة مستحيلة في العلوم الإنسانية. وعلى هذا الأساس جنحت هذه المدرسة
إلى مكــانة بين الحتمية و الإمكانية ، تؤمن باستحالة تفسير
ظاهرة جغرافية بشكل مطلق و دقيق ،فالتفسير دائما
يكون غير تام و به نسبة من الاحتمال ،إذ أن كل الأسباب غير ملموسة. و هكذا يقول الاحتمالي
بأن الحالة "ب" مرتبطة فعلا بالوضعية "أ" (أي الأسباب المعروفة)
و لكنها مرتبطة كذلك بشيء غير معروف ."س": ب =(س) + أ.و هنا يصبح المشكل
ليس تحديد الأسباب – كل الأسباب – و لكن تقدير احتمال حدوث الظاهرة".
عموما لا يمكن الوقوف عند هذه المدارس بل ظهرت اتجاهات
أخرى في تفسير الظواهر الجغرافية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية تحت إطار ما سماه Paul Claval "بالجغرافية الجديدة" ما بين 1956-1970 ،و من بين هذه التيارات الجديدة
نجد :
2-4-التيار الكمي : الذي عمل على معالجة الظواهر
و إبرازها انطلاقا من إحصائيات ،مع تحويل هذه المعطيات الطبيعية و البشرية من أسلوبها
أو تعبيرها اللفظي إلى تعبير رمزي(هندسي). أي أن هذا التيار يريد أن يستبدل الكلمة
بالرقم، و أن يصبح هذا الرقم لغة ووسيلة لإدراك واقع الظواهر الجغرافية،و هذا مفهوم
يفترض استعمال علم الإحصاء و الرياضيات بشكل مكثف. كان ميلاد هذا التيار مع كريستالير
في ألمانيا صاحب "نظرية المكان المركزي"، لكنه نمى و تطور في أمريكا مع William Bunge في مؤلفه حول (الجغرافية النظرية) 1962، إضافة إلى Waldo Toblerالذي اهتم بمشاكل الكارطوغرافية و تطور وضع الخرائط بواسطة الوسائل الكمية
الجديدة.
و يمكننا القول بأن هذا التيار لا يحمل جديدا في
تحديد عوامل لتفسير ظاهرة جغرافية بقدر ما يحمل جديدا في الطريقة و الوسيلة التي تؤدي
إلى بيان و توضيح تفاعل هذه العوامل بشكل جد مختصر.
2- 5 التيار الراديكالي
ينطلق هذا التيار من كون الجغرافيا تدخل ضمن العلوم
الإجتماعية ،و هي بذلك تعمل على دراسة القوى التي تبدو أنها تفسر الواقع الإجتماعي
،و من أهمها امتلاك وسائل الإنتاج ،و على هذا الأساس فالإتجاه الراديكــالي يستند أكثر
فأكثر على المذهب المــــاركسي
و يتبنى إشكالية "المادية التاريخية"
و يعتبر أن الخيرات المادية هي التي تحدد في نهاية المطاف تطور تاريخ البشرية.
و من أبرز جغرافي هذا الاتجاه David Harveyالذي اهتم بدراسة المدينة في الولايات المتحدة الأمريكية ،حيث استعمل
في تحليله للموضوع الأدوات و المفاهيم الماركسية، التي تمثل في رأيه المفتاح الوحيد
لفهم منطلق النظام الحضري الحالي، و هذا ما عبر عنه في كتابه "المدينة و العدالة
الإجتماعية" 1972
2- 6 التيار الجغرافي السلوكي (الإنساني): الذي
انطلق من فهم الفرد لذاته دون اعتبار محيطه المادي أو جوانبه العرقية ،إذ يهتم بمسألة
علاقة الناس بالمكان من جانب أحاسيسهم و شعورهم إزاء المجال لفهم تعلقهم به أو نفورهم
منه، من أبرز مؤلفي هذا التيار هناك Edward Raloh و Yi Fu Tuan فمن خلال كتابهما "الجغرافية الإنسانية" 1976،أعطوا اهتماما
أكبر للإنسان و اعتبروه مركز الدراسات داخل المجالات الجغرافية ،و Leonard Guelke الذي يكز اهتمامه على مسؤولية الإنسان من خــلال تصوراته في إعداد المجـــال
بدل الإهتمــام بالمحددات المـــادية
و الإقتصادية و الإجتماعية.
لقد كانت البيئة دوما موضوعا للجغرافيا القديمة
،لكن الجديد في السبعينات مع هذا التيار هو محاولة الجغرافية للإقتراب من المجتمع الغربي
و الإنكباب على همومه و مشاكله بغية المشاركة في تصور الحلول ،فكانت بدايتها مع مشكلة
الطاقة و طرق استعمالها ثم ما يترتب عنها من آثار تؤدي إلى تدهور البيئة إلى جانب العوامل
المناخية طبعا ،إلا أن الجدير بالإشــارة هو انتباه بعض الجغرافيين في هذا الإتجــاه
إلى دور تصرفـــات الإنســـان
و سلوكه في التأثير على هذه البيئة إما سلبا بالتمادي
في تلويثها ،أو إيجابيا بالعمل على المحافظة عليها.