الجزء الثاني
مصادر القانون الدستوري :
تعتبر المصادرات ذات أهمية بالغة في النظرية العامة للقانون لأنها منبع القواعد القانونية فالمقصود بالمصدر لغة هو المكان الذي ظهر فيه الشيء بعد أن كان خفيا، اما في موضوعنا فإن المقصود بالمصدر له عدة معان ما يهمنا منها هو المصدر الرسمي الذي يضفي على القاعدة القانونية الصفة الإلزامية والمصدر الموضوعي (أو المادي أو الحقيقي) الذي تستمد القاعدة القانونية منه مضمون خطابها أو موضوعها .والقول بهذا يعني أن المصدر الرسمي يأتي دائما بعد المصدر الموضوعي أو المادي لأن القاعدة لا تكتسب الصفة الإلزامية إلا إذا مرت بمراحل معينة تختلف بإختلاف المجتمعات وتأثير العوامل عليها. والمتفق عليه كما سبق أن رأينا أن سلوك الأفراد يتطور بتطور المجتمع، فقد يتحول إلى عرف ثم يتحول إلى قاعدة مكتوبة بظهور الدولة. وإذا كانت الأعراف هي السائدة في الماضي كقواعد تحكم العلاقات بين الأفراد فإن تدخل الدولة قد كان عاملا مؤثرا في الإكثار من سن القوانين لتنظيم أمور المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما أستتبع تراجع العرف إلى المرتبة الثانية واحتلال التشريع للمرتبة الأولى كمصدر أول للقوانين وسوف لن نخوض في التفاصيل ونقتصر على التعرض لأهم المصادر المتمثلة في التشريع والقضاء والعرف والفقه .
1-التشريع : يقصد به النصوص القانونية المدونة والصادرة عن هيئة خاصة وفقا لإجراءات معينة وعادة ما تسمى هذه السلطة بالسلطة أو المؤسسة التشريعية على أن القواعد التشريعية هي الأخرى تخضع لمبدأ التدرج إذا كنا بصدد دستور جامد، ذلك أن تعديله يخضع لإجراءات خاصة تختلف عن تعديل التشريع العادي مما يضفي على التعديل الأول صبغة قانونية أسمى من التعديل الثاني، وعليه فإن التشريع العادي يضع للتشريع غير العادي، وقد ازدادت أهمية التشريع كمصدر للقوانين نتيجة لتزايد تدخل الدولة وتعقيد نشاطها بالتالي وزيادة ارتباطها بالأفراد والجماعات والدول هو تلك المجموعة من الأحكام التي أصدرتها المحاكم بشأن تطبيق القانون على ما يعرض عليها من منازعات .وتنقسم أحكام القضاء إلى قسمين :
القسم الأول : وهو الذي لا يخرج عن كونه تطبقا للقانون ويسمى بالأحكام العادية.
القسم الثاني : وهو الذي يتضمن مبادئ لم يتعرض لها القانون أو تضع حدا لخلاف في القانون وتسمى الأحكام الأساسية .
وإذا قلنا بأن القضاء مصدر من مصادر القانون الدستوري، فان علينا أن نميز بين الدول ذات الدساتير العرفية كإنجلترا، والدول ذات الدساتير المكتوبة كالجزائر وفرنسا، ففي إنجلترا يعتبر القضاء مصدرا رسما لما ينشئه من سوابق قضائية بشأن القضايا المطروحة أمامه أو التي تطبق فيما بعد على القضايا المشابهة لها من طرف المحاكم ذات الدرجة الواحدة أو الأدنى منها. ومن الدول التي تأخذ بالسوابق القضائية، الولايات المتحدة الأمريكية واستراليا ونيوزلندا ، أما في فرنسا فإن القضاء كمصدر ضعيف جدا في المجال الدستوري، نظرا لأن المحاكم غير مقيدة بأحكامها السابقة ولا بالأحكام التي تصدرها تلك الأعلى منها في الدرجة .
3- العــرف :
يقصد بالعرف " إتباع الناس سلوكا معينا في موضوع معين بصفة مطردة ولمدة طويلة يجعل الناس يشعرون بقوته الإلزامية كالقانون المكتوب"
ويتضح مما سبق أن هناك ركنان للعرف : مادي ومعنوي .فالركن المادي يفيد إتباع الأفراد سلوكا معينا في تصرفاتهم بصفة مطردة أما الركن المعنوي فيعني استقرار الإحساس في ضمير الجماعة بأن ذلك السلوك أصبح ملزما لهم، فبغير الاعتقاد بالزاميته لا نكون بصدد عرف بمعناه القانوني ويشترط في العرف ان يكون عاما وقديما وثابتا، وأن لا يكون مخالفا للقوانين والآداب العامة، وإذا كان العرف هو ما سبق ذكره باختصار، فإن الفقه اختلف بشأن مدى الزاميته فقد ذهب انصار المذهب الشكلي المتطرفين ومن بينهم الفقيهان الإنجليزي والفرنسي كارى دمالبرغ إلى أن العرف لا قيمة له إلا أقره التشريع او القضاء، أما المعتدلون من هذا المذهب فيعترفون له بالصفة الإلزامية ، وبالنسبة للمذهب الموضوعي فيرى أنصاره وعلى رأسهم ديجي Duguit وجوي Guet بأن القانون ما هو إلا تعبيرا عن ضمير الجماعة الذي يمثل العرف، ولذلك يقولون بأنه مصدر رسمي للقانون وبعد أن عرفنا قيمة العرف كمصدر للقانون نبحث الآن دوره في العرف الدستوري، لقد تأثر فقهاء القانون الدستوري بفقه القانون الخاص بشأن أركان العرف، فالركن المادي يتمثل في وجود قاعدة مستقرة ومطردة التطبيق من قبل السلطات العامة في الدولة، وهذا يعني الثبات وتوافر مدة معقولة غير أن الحقائق تثبت أن المدة لا يمكن تحديدها نظرا لظهور أعراف دستورية في مدة قصيرة مثل بعض سلطات رئيس الدولة ورئيس الوزراء في فرنسا التي نظمت بمقتضى عرف نشأ بعد الحرب العالمية الأولى في حين أن مسؤولية الوزارة في إنجلترا تقررت بعرف يعود إلى القرن الثامن عشر. أما الركن المعنوي فيشترط فيه صفة الالزام التي يردها البعض إلى الإرادة المفروضة للمشرع بينما يردها البعض الآخر إلى إرادة الجماعة المتمثلة في السلطات والأفراد. والعرف إما يكون مفسرا أو مكملا أو معدلا .
أ-العرف المفسر: هو الذي يهدف إلى تفسير نص من نصوص الدستور، فدوره هنا ليس إنشاء أو تعديل قاعدة دستورية، وإنما يبين كيفية تطبيق قاعدة معينة غامضة إلا أن هذا التفسير يصبح جزءا من الدستور فيكتسب صفة الإلزام، ومن الأمثلة على ذلك جريان العرف أن لرئيس الجمهورية الفرنسية طبقا لدستور 1875 أن يصدر اللوائح استناد إلى المادة التي تنص على أن رئيس الجمهورية يكفل تنفيذ القوانين .
ب-العرف المكمل : هو الذي ينظم موضوعات لم يتناولها الدستور حيث يسد الفراغ الموجود في الدستور، ونظرا لكونه كذلك فانه يختلف عن العرف المفسر في كونه لا يستند على نص دستوري في ظهوره، ومثل ذلك نشوء قاعدة في فرنسا تمنع من إبرام عقد قرض عمومي إلا إذا صدر قانون يأذن بذلك، إذا كان القانون والدستور الصادران في 1815 ينصان على تلك القاعدة فإن الدساتير التي تلتها لم تنص عليها انطلاقا ومع ذلك استمر تطبيقها لاستقرارها عرفيا فغدت بذلك عرفا دستوريا مكملا ونص دستور 1875 على أن الانتخاب يتم على أساس الاقتراع العام دون أوضاع هذا الانتخاب فكمله العرف بأن جعله على درجة واحدة
ج-العرف المعدل: يراد به تلك القواعد العرفية التي تغير بأحكام الدستور إضافة أو حذفا ومن أمثلة العرف المعدل في شكل إضافة ما جرى به العمل في الاتحادات الفيدرالية من زيادة في سلطات الحكومات المركزية على حساب السلطات المحلية وأن يتولى رئاسة في لبنان ماروني والوزارة سني والبرلمان شيعي رغم أن الدستور لا ينص على طائفية في لبنان فجاء العرف بها مكملا الدستور.أما العرف المعدل في صورة حذف فمثله امتناع رئيس الجمهورية من حل مجلس النواب في ظل دستور 1875 الذي يمنح له ذلك الحق ولم يستعمل إلا من طرف الرئيس ماكماهون سنة 1877 ثم لم يمارس ذلك الحق حتى سنة 1940 عندما احتلت ألمانيا فرنسا فنتج عنه أن نشأة قاعدة عرفية ألغت أو حذفت نصا دستوريا والسبب في ذلك يعود إلى أن ماكماهون عندما لجأ إلى حل مجلس النواب كان هدفه الحصول على تغيير في الأغلبية إلا أن الانتخابات أدت إلى عودت الأغلبية السابقة وهي الجمهوريون فصرح بعد ذلك خلفه Grevy لأنه سينصاع إلى إدارة الأمة وانه لن يلجأ إلى حل البرلمان بعد ذلك وتبعه في ذلك سلفه مما أدى إلى نشوء ذلك العرف المعدل حذفا في النص الدستوري وكذلك حدث في سنة 1962 –1969 في نفس البلد أين قدم رئيس الجمهورية مباشرة مشروعين لتعديل الدستور دون عرضهما على المجلسين لتصويت المسبق مع أن هناك نصوص صريحة خاصة بكيفية تعديل الدستور .
والحقيقة أن هذا النوع من العرف موجود ومطبق وان إنكار الصفة الدستورية عنه من جهة والاعتراف به من جهة ثانية ليس له ما يبرره وهو يتناقض والمنطق والواقع .
4-الفـقـه : يقصد بالفقه الدراسات والبحوث التي قام او جاء بها فقهاء القانون والفقه لا يعتبر مصدرا رسميا للدستور وإنما مصدر تفسيرا يستأنس به في تفسير دستور وبيان كيفيات سنه فضلا عن قيام رجال الفقه بشرح وتبيان محاسن وعيوب هذه الدساتير كما أنه يهتم بدراسة وتحليل الأحكام القضائية لما لها من تأثير على مسار قواعد دستورية والذي لا شك فيه انه وغن كانت الآراء الفقهية غير ملزمة إلا أنها تلعب دورا هاما في تفسير النصوص القانونية وكثيرا ما يتأثر به القضاء في إصدار أحكامه أو المشرع أثناء سن القوانين والقواعد الدستورية وهو ما يكسب تلك الآراء سمعه أدبية كثيرا ما تلقى احترام من قبل المشرع الدستوري ومن ذلك روح القوانين والعقد الاجتماعي أو السياسي لكل من مونتسكيو وجان جاك وروسو وجون لوك .
أساليب نشأة الدساتير ونهايتها :
تنشأ الدساتير وتنتهي بأساليب مختلفة ومتعددة وقبل تعرض لأساليب نشأتها ونهايتها يتوجب علينا بحث أسباب نشأة الدساتير والتطور الذي عرفته بفعل تزايد مهام الدولة
أسباب والدوافع الأساسية لوضع الدستور :إن انهيار الحكم الملكي المطلق بعد ثورات الأوربية وسيطرت البورجوازية على السلطة إلى جانب ظهور فكرة القومية وانحصار الاستعمار كانت من الأسباب والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم وكان غرض شعوب الأنظمة إثبات سيادتها داخلية واستغلا ليتها وذلك بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع دستور يبن السلطات وعلاقاتها في دولة الجديدة وعلاقاتها بالمحكومين والدول الأخرى وأن هذه الدول بوضع دستور تؤهل نفسها لإقامة حوار بين السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي ولها الحق في الانضمام للمجتمع الدولي لأنها إن طالبت بذلك .
المبحث الثاني : النظرية العامة للدولة :
النظريات المفسرة لأصل نشأة الدولة :
النظريات غير القانونية :
أولا : النظريات التيوقراطية :
ترجع أصل نشأة الدولة إلى إرادة الإله وهي نظرية واحدة وتطورت عبر العصور وقد أخذت ثلاث أشكال :
1- الطبيعة الإلهية للحكام : الدولة من صنع الإله الذي هو نفسه الحاكم على الأرض وقد سادت هذه النظرية عن الفراعنة والرومان في بعض المراحل التاريخية واليابان إلى غاية 1948 حيث تنازل الإمبراطور عن صفة الإلهية .
2- الحق الإلهي المباشر : الدولة هي حق من حقوق الإله الذي أوجدها هو وهو الذي يختار حسبما يريد من يحكمها بطريقة مباشرة ولذا فإن الحكام يستمدون سلطتهم من الإله وليس من الشعب الذين لا يسألون أمامه
3- الاختيار الإلهي غير المباشر : الدولة من صنع الإله وهو مصدر السلطة فيها ،غير أن البشر هم الذين يختارون الحكام بتفويض وعناية من الإله الذي يوجه تصرفات واختيارات الشعب نحو الحكام وبالتالي يتم اختيار الحاكم بطريقة غير مباشرة .ترى هذه النظرية أن هناك قوانين طبيعية تحكم الكون والبشر ويهتدي بها الحكام ويقتدي بها ولهذا فإن هذه القوانين هي التي تحد من سلطة الحكام .
موقف الإسلام من هذه النظريات : الإسلام يرفض هذه النظريات بل حاربها بقوة إذ نجد القرءان الكريم يبين لنا في الكثير من الآيات أن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل لمحاربة الملوك والحكام الذين ادعوا الألوهية مثل الفراعنة .
وبالنسبة للخلفاء نجد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول في خطبة توليه الخلافة " أني وليت عليكم ولست بخيركم " وهذا يعني أن الأفراد هم الذين ولوه السلطة .
ثانيا : النظريات الطبيعية : ترى هذه النظريات أن الدولة هي ظاهرة طبيعية مثلها مثل جميع الظواهر الطبيعية الأخرى أي أنها نتاج ميل الناس الطبيعي إلى التجمع والعيش في ظل مجتمع منظم سياسيا .
1- نظرية الأبوة : يرى أرسطو أن الدولة كانت في البداية أسرة تطورت إلى عشيرة ثم إلى قبيلة ثم إلى مدينة.أما الحاكم في الدولة فهو بمثابة الأب في الأسرة يمارس السلطة على الشعب كالأب على أفراد أسرته الشيء الذي يستوجب طاعته والرضوخ إليه من طرف الرعية والقبول بسلطته المطلقة عليهم .
إن هذه النظرية تنظر للدولة كخلية اجتماعية أو كحاجة أساسية من حاجات الإنسان الطبيعية.
انتقدت هذه النظرية كونها بررت الاستبداد المطلق للحكام كما أن البعض يقر بأن الدولة سبقت الأسرة ولا يمكن التوفيق بين السلطتين الأبوية والأسرية التي تعتمد على أسس مختلفة .
2-نظرية الوراثة : نشأت في ضل الإقطاعية وهي ترى أن حق ملكية الأرض وهو حق طبيعي،يعطي لمالك الأرض حق الملكية وحتى الناس اللذين يعيشون عليها و من هنا ظهرت فكرة الدولة أي بخضوع السكان للإقطاعيين.
3- النظرية العضوية: ظهرت في القرن التاسع عشر تنادي بضرورة تطبيق القوانين الطبيعية على الظواهر الاجتماعية حيث تشبه الدولة بجسم الإنسان المكون من عدة أعضاء إذ أن لكل عضو وظيفة يقوم بها وهو نفس الشيء بالنسبة لأفراد المجتمع وحسب بهذه النظرية الدولة هي ظاهرة مثلها مثل الظواهر الطبيعية وهي لضرورية لبقاء المجتمع.
نقد: إن هذه النظرية مجرد افتراض وهي غير علمية بالنظر للفروق العديدة بين القوانين الطبيعية والاجتماعية.
0034- النظرية النفسية: ترى أن الأفراد لا يخلقون متساويين،هناك فئة تحب الزعامة والسيطرة وفئة تخضع لها ومن هنا ظهرت الدولة أي خضوع الضعيف للقوي.
ثالثا: النظريات الاجتماعية: وهي التي تعتمد على الواقع الاجتماعي وحسبها أن الدولة تنشأ نتيجة الصراع البشري في مرحلة من مراحل التاريخ وتنتهي بسيطرة فئة على فئة أخرى.
1- نظرية القوة والغلبة: نادى بها العديد من الفلاسفة حيث يقول الفيلسوف اليوناني "بلولتاك" أن الدولة خلقت من العدوان ويقول أيضا ميكيافيلي في كتابه" الأمير" أن الصراع الجمعوي ينجم عنه فئة مسيطرة وفئة حاكمة
ومن هنا يمكن القول أن السلطة في الدولة تعتمد على القوة والغلبة، غير أن ميكيافيلي ألضاف فكرة الحنكة والدهاء عند الحكام ونجد أن القوة والغلبة وجدت طريقها في نشوء بعض الدول مثل ظاهرة الاستعمار الأوربي للقارات حيث نتج عنها دول مثل ليبيريا والكونغو والولايات المتحدة الأمريكيبة وإسرائيل.
2- نظرية ابن خلدون: لقد اعتمد ابن خلدون في بنظرته هذه على العنف الذي يعتبر أحد ميزات الإنسان التي يمكنه من خلالها البقلاء والعيش وترتكز نظرية ابن خلدون على أن الإنسان دوما بحاجة إلى غيره ليتكاتل مع غيره لتوفير الغذاء والدفاع.وفي بعض الأحيان ونظرا للطباع الحيوانية يحتدم الصراع بين الطبقات من هنا لابد أن يكون هناك حاكم يتولى إدارة وتنظيم هذه الجماعة،وأهم النقاط التي يرتكز عليها لابن خلدون لقيام الدولة العناصر التالية:
أ- العصبية: وهي بعبارة عن الشعور بالانتماء المشترك بين أفراد المجتمع بالوحدة العرقية والدينية وهو شعور يولد في الجماعة روح البروز نحو الغير.
ب- الزعامة: وهنا لابد أن يتولى إدارة هذه الجماعة شخص يمتاز بالصرامة والبطش حتى يحملهم على طاعة ولابد أن يكون له شعور بالإنتماء ولابد أن يتجنب جميع الصفات التي تجعل منه مستبدا أو طاغيا بل ينبغي عليه أن يتحلى بروح التسامح والسماحة والكرم وأن يحترم الدين وعلمائه وأن يهتم بجميع حقوق الرعية .
ج- العقيدة الدينية: وهو العامل الذي يوحد المجموعة ويرى ابن خلدون أن الإسلام هو الدين الوحيد القادر على إنشاء دول متماسكة تمتاز بالقوة والبطش.
3- نظرية التضامن الاجتماعي: نادى بها " ليون دوجي" وحسبه الدولة تقوم على أربع عناصر أساسية:
أ- الاختيار الاجتماعي: وتنشأ الدولة هنا بسبب فرض بالمجموعة القومية المهيمنة لإرادتها على الفئة الضعيفة وبالتالي تكون الأولى هي الهيئة الحاكمة أما الثانية فتكون هي المحكومة.
ب- التمايز أو الإختلاف السياسي: أي أن الدولة تنشأ عندما تكون هناك فئتان فئة حاكمة تفرض سلطانها على الفئة الثانية المحكومة.
ج- قوة الجبر والإكراه: إن السلطة تعد الدعامة الأساسية لقيام الدولة أي بهي التي تعطي الأوامر وتهيمن على الفئة المحكومة دون أن تكون هناك سلطة تنافسها أو تمنعها من تنفيذ أوامرها.
د- التضامن الاجتماعي: إذ لابد من التلاحم والتكامل بين أفراد المجتمع الواحد ولابد أن يكون هناك تعاون بين الحكام والمحكومين.
إن هذه النظرية قامت على أفكار افتراضية (السعيد بوشعير مرجع سابق ص 31.........).
4- نظرية التطور التاريخي: ترى هذه النظرية أن الدولة نشأت وفق تطور تاريخي وتلاحم مجموعة من العوامل التاريخية والسياسية والاقتصادية وأن الدول ما هي إلا نتاج لتطور طويل ومتنوع يهدف الإنسان من خلاله الى الاجتماع إن هذه النظرية غير سليمة لأن هناك دول نشأت دون تطور تاريخي مثل دولة اسرائيل.
5- النظرية الماركسية: أن الدولة نتتج بسبب الصراع الطبقي،فالدولة تقوم على أساس اقتصادي التي تهيمن على الإقتصاد وهي نتاج صراع بين طبقات المجتمع وهي تترجم الهيمنة الطبقية داخل المجتمع وتضمن استغلال طبقة ضد أخرى.والقانون فيها عبارة عن تعبير لإرادة هذه الطبقة.
إن هذه النظرية تحمل بذور فنائها حيث تزول بزوال الطبقية داخل الدولة.
النظريات القانونية:
أولا: النظرية الإتفاقية: وترى هذه النظرية أن الدولة ما هي إلا نتاج اتفاق بين أعضاء المجتمع سواء في عقد أو في شكل اتحاد، وإذا وصفت بالديمقراطية .
1- نظرية "توما هوبز 1588-1679" : جاءت هذه النظرية لتبرير سلطة الملك وضد الثورات الشكلية إذ أن هوبز كان من مؤيدي العرش الحاكم وتشتمل لعلى العناصر التالية :
أ- المجتمع قبل العقد: مجتمع فوضوي يغلب عليه قانون الغاب والأنانية والطمع وحب النفس لذلك أحس الأفراد بضرورة إقامة مجتمع منظم يخضعون له يحكمهم فيه حاكم يوفر لهم الاستقرار والأمان. ب- أطراف العقد: هم أفراد المجتمع الذين يتنازلون عن حقوقهم للحاكم الذي لم يكن طرفا في العقد .
ج- آثار العقد : لابد على الأفراد أن يتنازلوا عن جميع حقوقهم لتفادي الاختلاف والتناحر التي يشرف عليها الحاكم الذي له السلطة المطلقة دون أن يكون مسؤولا أو ملتزما نحوهم بأي شيء لأنه لم يكن طرفا في العقد.مما ينجر عنه استبداد الحاكم وبحسب هوبز استبداد الحاكم أفضل بكثير من الفوضى السابقة ولكنه يحمله مسؤولية توفير الرفاهية واحترام القوانين القضائية وقد أخلط هوبز بين الحكومة و الدولة يعني أن بذور فناء الدولة في فناء العرش الحاكم .
2- نظرية "جون لوك":(1932-1704) وهو من دعاة تقييد سلطة الحكام ولابد من احترام الحريات الفردية وتتلخص النظرية في ما يلي:
أ- المجتمع قبل العقد: إن الإنسان خير بطبعه يعيش في حالة سلام وحرية طبيعية ومساواة تامة وفقا للقانون الطبيعي.إلا أنه يحتاج دوما إلى النظام السياسي الذي يضمن له الحرية واحترام حقوقه والمحافظة على القيم .
ب- أطراف العقد: أعضاء العقد هم المجتمع من جهة والحاكم أو الحكام من جهة أخرى والعقد يتم عبر مرحلتين: حيث في الأولى يتفق أفراد الجماعة على إنشاء مجتمع سياسي ثم بين الشعب السياسي والحكومة التي تتولى الحكم.
ج-آثار العقد: إن الأفراد لا يتنازلون عن كل حقوقهم بل عن بعضها فقط،وبما أن الحكومة كانت طرفا في العقد فهي بمسؤولة أمام أفراد المجتمع ولا يحق لها الاعتداء على الحقوق التي لم يتم التنازل عنها وإلا عرضت للمسائلة وحق للشعب عزلها ولو عن طريق الثورة .
3- نظرية جون جاك روسو "1712-1778" وهو يرفض إنشاء الدولة على القوة وتتلخص نظريته في:
أ- المجتمع قبل العقد: إن الإنسان خير بطبعه يعيش في حالة سلام وحرية طبيعية ومساواة تامة وفقا للقانون الطبيعي.إلا أنه يحتاج دوما إلى النظام السياسي الذي يضمن له الحرية واحترام حقوقه والمحافظة على القيم .
ب- أطراف العقد: يتفق الأفراد على إنشاء نوع من الاتحاد في ما بينهم يحميهم و يحمي أملاكهم ويتمتع هذا الإتحاد بسلطة كل فرد من أفراد المجتمع أي أن كل فرد يلتزم نحو الجماعة الأخرى المتحدين وبذلك نجد أن الفرد يتعاقد من زاويتين: مع الشخص العام باعتباره عضوا من الجماعة ومع الجماعة باعتبارها من مكونات الشخص العام.
ج- آثار العقد: يترتب عن هذا العقد أن الأفراد تنازلوا لعن جميع حقوقهم الطبيعية مقابل حصولهم على حقوق مدنية يضمنها هذا التنظيم .
نقد هذه النظريات:1- لم يجتمع الأفراد بالصورة المذكورة في بهذه النظريات مما جعلها مجرد نظريات افتراضية.
2- لابد من وجود قانون يحمي العقد ويكون سابق له،وهذا يعني وجود مجتمع منظم قبل وجود العقد.3- لا يمكن للأفراد التنازل عن حقوقهم الطبيعية.4- استحالة اتفاق جميع الأطراف حول هذا العقد.5-استحالة ديمومة العقد.
فكرة العقد في الإسلام: يرى الكثير من المفكرين أن الإسلام يعد هو أول من أسس الدولة بشكل عقد حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يهاجر الى المدينة ولم يؤسس فيها دولة إسلامية إلا بعد إبرام اتفاق بينه وبين الأنصار على احتضانهم الرسول(ص) ونصرته والعمل على إقامة النظام الجديد الذي يدعوا اليه وهذا من خلال بيعة العقبة الثانية وبذلك أصبحت البيعة أساس لقيام الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء ومن بعدهم .والبيعة عبارة عن عقد يتم بين الطرفين وهم الأمة التي تعتبر مصدر السلطات من جهة والممثلة في أهل الحل والعقد والحاكم من جهة أخرى والبيعة عقد صحيح يقوم على الرضا المتبادل ويؤكد من جهة أن السلطة والسيادة لله.وما الحاكم إلا خليفة في الأرض.
نظرية المؤسسة ل "هوريـو": يرى هوريـو أن الدولة تنشأ عبر مرحلتين:
في المرحلة الأولى يتفق الأفراد على مشروع إنشاء دولة وهي بعبارة عن فكرة يتحمس لها الأفراد ويحاولون إنشاء جهاز أو تنظيم بالطرق القانونية المتوفرة لديهم وفقا للقانون الساري المفعول.
أما في المرحلة الثانية فيدعون كل من يهمهم الأمر والموافقين على الفكرة لمساعدتهم على تحقيق هذا المشروع.وبذلك يكون لدينا :1-فكرة إنشاء الدولة.2- سلطة منظمة على رأس الجهاز المنشأ من طرف أصحاب الفكرة 3-جماعة الأفراد المعنيين بتحقيق وتنفيذ الفكرة.وبذلك تنشأ الدولة نشأة قانونية واستند هوريو في فكرته على الدولة الجزائرية فيقول أن الزعماء التاريخيين للثورة أو قادة الحكومة المؤقتة هم أصحاب فكرة نشأة الدولة.والشعب جاء ليوافق على هذه الفكرة غير أن هذا المثل يفنده الواقع لأنه محا الدولة الجزائرية قبل الإستعمار الفرنسي.وإجمالا لكل ما سبق يمكن القول أن نظرية التطور التاريخي هي الأكثر تلاؤما في الواقع.
مفهوم الدولة والنظريات المفسرة لنشأتها
مصطلح الدولة من المصطلحات التي يمكن القول أنه يستحيل وضع تعريف له جامع ومانع بخصوصها أو تعريف يتفق حوله الفقهاء والمفكرين وهذا راجع إلى تعدد المذاهب الفكرية والإيديولوجيات والمواقف السياسية والمصالح المختلفة ولكون الدولة ظاهرة معقدة ومتعددة كما وجدت عبر التاريخ نظريات مختلفة حول أصل نشأة الدولة والنظريات التي فسرت أسس السلطة السياسية والحكم في الدولة
تعريف الدولة
في الفكر الليبرالي : يعرفها المفكرين من زاوية عناصرها المادية ومن بين هؤلاء أندري هوريو بقوله " الدولة هي مجموعة البشرية مستقرة على أرض معينة وتتبع نظاما اجتماعيا وسياسيا وقانونيا معا بهدف إلى الصالح العام ويستند إلى السلطة مزودة بصلاحيات الإكراه ونجد تعريف كثيرة منها تعريف كاري دي مالبورغ :" الدولة هي جماعة من الناس مستقرة على إقليم خاص بها ولها تنظيم تنتج عنه سلطة عليا للتصرف والأمر والإكراه ومن زاوية عنصر الإكراه نجد المفكر ليون دبجي :" تكون هناك دولة بالمعنى الواسع عندما يوجد في مجتمع ما اختلاف أو تميز سياسي مهما كان بسيطا أو معقدا بين الناس فيكون هناك حكام من جهة ومحكومين من جهة أخرى.ونعرفها كمفهوم عام ومجرد نجد ما دعا إلأيه الفرنسي جورج بيردو أن المجتمع المنظم سياسيا والدولة قد نشأ معا وكل مجتمع سياسي لا بد له من سلطة تقوده وتعمل على تحقيق مصالحه لكن هذه السلطة أخذت عبر التاريخ عدة أشكال :البداية القبائل البدائية لم تكن هذه السلطة معروفة واضحة بل منتشرة في الجماعة وتخضع إلى الأعراف والمعتقدات ولاحقا تجسدت في شخص يقود الجماعة سواء لقوته أو لحكمته أو لذكائه لكن هذه السلطة لا تدوم وتزول بزوال صاحبها مما يؤدي إلى نشوب الصراع بين أعضاء المجموعة
الفكر الاشتراكي :جوهر الدولة هنا مجرد تعبير عن الهيمنة الاقتصادية لطبقة المالكين لوسائل الإنتاج على الطبقات غير المالكة فالدولة في نظرهم هي مؤسسة سياسية خاصة ومنفردة تستخدم كأداة بين الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج الرئيسية والسائدة اقتصاديا لقمع الأغلبية الساحقة وغير المالكة من أعضاء المجتمع وهذا لضمان مصالحها ودفاع عنها حتى تتمكن من إبقاء تلك الهيمنة فالدولة في الفكر الماركسي هي نتاج الصراع بين الطبقات بسبب الملكية تعبر عن الهيمنة طبقة على طبقة أخرى فهي وسيلة وأداة بعد الطبقة المهيمنة وهي ضامنة لاستمرار هذه الهيمنة والاستغلال الدولة هي حالة انتقالية ومرحلية حيث تزول بزوال أسباب نشأتها واستمرارها
في الشريعة الإسلامية : الإسلام بصفة عامة يعطي الأولوية والمكانة الأساسية للدين في تكوين وبقاء الأمة وقبل أن نتطرق إلى هذا الموضوع تجدر بنا تحديد موقف الإسلام من العنصر البشري حيث ينقسم الناس إلى طائفتين المسلمون تربطهم جميعا رابطة الأخوة في الإسلام يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات غير المسلمين :يعتبرون من سكان الدولة الإسلامية وهم طائفتان ذميون وهم المقيمون بصفة دائمة ولهم نفس حقوق وواجبات المسلمين إلا في بعض الأمور الخاصة بهم مستأمنون أجانب غير مقيمين بصفة دائمة عن طريق الأمان أو منح الإقامة
إن مدوا الأمة فتح الاجتهاد ولازال مستمرا حتى الآن عموما المعنى الرئيسي الذي تضمنه القرآن الكريم هو الجماعة من الناس التي تكون على دين واحد أو طريقة واحدة فإن قلنا الأمة الإسلامية فنقصد بذلك الجماعة التي تدين بالعقيدة الإسلامية ومن المفكرين من بحث في مفهوم الأمة في الجانب الإجتماعي والتاريخي ومن بينهم الفرابي وابن خلدون :
الفرابي: تعتبر الأمة وحدة طبيعية اجتماعية سياسية متميزة مركزا على عوامل الارتباط الارتباط هو تشابه الخلق والشم الطبيعية والاشتراك في اللغة والبيان وان التباين في تباين هذه العوامل وتعتبر هذه النظرة نظرة موضوعية
ابن خلدون: مثله مثل الفرابي تعتبر نظرته موضوعية حيث وضع عوامل مكونة للأمة مثل الأصل الواحد،وحدة البيئة والمناخ والعادات ، وغير ذلك من المميزات والطبائع